3 دقائق للقراءة
العالم بالله مسلم مؤمن، ومن كان غير ذلك ولديه معلومات عقلية عن الله كان صاحب معرفة بالله قد تكون حجة عليه إن جحد كما سبق البيان، وقد تكون طريقا له كي يسلم ويؤمن ثم يمضي في صراط العقل ضمن استقامة يقينية مؤمنة ليصل إلى العلم بالله، وهنا العالم بالله مسلم مؤمن مضى عقله في تدبر وتأمل متعينا باليقين القلبي الإيماني ليرجع متيقنا بذلك العلم إلى القلب فيتحدا معا ليكونا لبا واعيا وبصيرة مستنيرة، فذلك وجه لتعريفي للعلم بالله حين قلت: “العلم بالله هو تحول اليقين القلبي إلى تيقن عقلي واتحادهما في القلب”
هنا تحتاج لعلم الربط لتجد الارتباط الوثيق بين الإسلام والإيمان والعلم بالله، ولتبصر كيفيات الترابط والاتصال بين التطورات المرحلية ومعنى وقيمة كل مرحلة ثم التطور التصاعدي والتماهي والانصهار.
2 الأطر العلمية: تخضع الأطر العلمية للعلم بالله في نظري لما ذكرته ضمن المقدمة في العلم والقرآن وما أسميته بعلوم التكوين وقسميها وفق قوله تعالى: ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)”
وأيضا لما بينته في مستهل هذا المبحث ضمن تدبرنا في أول آيات القرآن عن قسمي الخلق العام والخاص.
فالتدبر والنظر العلمي الممنهج، مع توفر إيمان قلبي فعلي، هو الإطار العلمي للعلم بالله، وضمنه أطر كثيرة، وكلما توفرت إمكانات النظر العلمي والتيقن كان العلم أكبر وأدق، وهنا لابد من فهم علم الكشف الذي سأبين نفحا منه في هذا الكتاب، لأن هذا الباب هو الأكثر عمقا وعظمة، وعليه فالأمر منقسم إلى قسمين كبيرين هما العلم اللدني بالله والعلم الاستنباطي بالله وهو ما سأبينه ضمن الأطر الاستقرائية.
عموما، فالتدبر في الآفاق والأنفس، في الكون والإنسان، في ما خلق الله سبحانه، مع إيمان راسخ، هو السبيل للعلم بالله، والعقل كلما نظر وتدبر كلما ازداد تحيرا في عظمة الله، وكلما ازداد علما بالله، كلما وجد أنه لم يعلم إلا القليل، فالعلم بالله لا حد له، ولكن يكفي أن يلامس المؤمن منه نصيبا حتى يتحد اليقين القلبي بالتيقن العقلي ويظل الأمر في ازدياد مطرد قلبا وعقلا، يقينا وتيقن،ا إيمانا وعلما إلى أبد الآبدين.
3 الأطر الاستقرائية: قال الله لنبيه اقرأ في أول كلمة وحي انزلت عليه، وهذه القراءة فيها استقراء، والاستقراء فنون وصنوف، فمنه التمثلي، فتكون قراءة بالذهن للمعنى وللمتصور، ومنها الاستقراء المشهدي، فتكون قراءة بالعقل عبر الحواس للمرئي والمشاهد، وضمن هذا العلم، فإنا ما أسميته بالأطر الاستقرائية ينقسم إلى بابين كبيرين: هما العلم اللدني بالله، والعلم الاستنباطي بالله وهو ما سأبينه ضمن الأطر الاستقرائية.
أ العلم اللدني بالله: ليس من مشمولات العقل عامة، وليس مما كان من امر الله للمؤمنين، بل هو فضل من الله يؤتيه من يشاء، وهو مما يكون بالفيض والتجلي والكشف، وسوف يكون لي تأمل لكل ذلك في علومه الخاصة، ولكن لابد أن يعلم كل ذي عقل أن عقله لا يرقى إلى هؤلاء، وعليه ألا يقيس علمهم بعلمه، وعقولهم بعقله، لأنه إن فعل لم يظفر إلا بالشك أو بالرَّهَق.
الله سبحانه منح هذه الهبة لمن اختارهم، ليختزل لهم المسافة، ولينير عقولهم وقلوبهم بقوة ورسوخ وثبات، حتى يبلغوا قمم العلم بالله والتيقن به، ولا يمكن لعقل بشري أن يتصور كنه ذلك، ولكن له أن يقف متأملا وفق حدوده لقوله سبحانه على سبيل المثال: وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)”
أو قوله سبحانه: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)”
فذلك كشف رباني وتجلّ إلهي، وهؤلاء هم أنبياء الله ورسله وخاصة خلقه الذين اجتباهم على علم واختارهم على بينة وفضلهم لحكمة وعلمهم من لدنه علما….ولنا عودات أُخر…