2 دقائق للقراءة
مهداة: إليهم..وسأستمر في الوقوف.
أفكر في فكرة لم أفكّر فيها من قبل. نفس الفكرة تفكّر أني قد أفكّر فيها.
أنتظر في رصيف أفكاري تلك الفكرة. وأبعد الأفكار الأخرى بجفاء.
تتسلل الفكرة إلى رأسي، وتثب وثبة مفترس على فريسة طال رصده لها.
أراوغها وأدعي أني لم أنتبه لمرورها وحضورها. فتسحبني إليها بحبال خيال وتلفني في شبكة من المشاعر المتداخلة التي تفرضها كل فكرة جديدة.
عندما خرجت من عزلتي أخيرا أحمل فكرتي التي لم يسبق أن سمع بها أحد، كنت واثقا أن الجميع سيقفون احتراما. لكن الأفكار البالية التي تسكن العقول سحبت أصحابها وأمرتهم أن يغلقوا آذانهم ويفروا من فكرتي.
لم يكن في المكان سوانا، ولم يكن أحد منا يستطيع الفرار حقيقة، أو الوقوف ولو مجازا. كنا متسمرين لزمن لا نعلمه، نردد بخوف أسطورة الجد الذي كان يمشي ذات يوم، ومجرد ذكر ذلك كان فكرة محرمة للغاية.
كنا نحْبو لنتمكن من جلب بعض الطعام الملقى على الارض، ولا نرفع رؤوسنا كثيرا للأشجار التي تتدلى منها ثمار شهية، كنا نكتفي فقط بما تسقطه الريح والطير. وكان أسرعنا وأقوانا من يستطيع التحرك بين جذعين من أجذاع أشجار ما يبدو كأنه غابة لا تنتهي.
كانت الفكرة التي تسللت إلي فكرة ملعونة، ماكرة، محرمة بطريقة لم يتخيل من حرموا الأفكار أن فكرة مثلها يمكن أن توجد. ولم تكن فكرة معقدة إنما كان تحقيقها معقدا.
لقد همست الفكرة في أذن عقلي: ماذا لو تمكنت من الوقوف والمشي على قدمين؟
لقد كان الأمر في ذلك الجمع الذي يتحرك كالفقمات أكثر خطرا من الهرطقة.
إن فكرة النهوض والوقوف والمشي الوثاب، ورفع الرأس عاليا ومد اليد إلى تلك الخيرات التي لا نأكل منها إلا ما أبقى الطير، فكرة مجنونة، لكنها بسبب لا أفهمه، راقت لي.
وحين بدأت محاولة الوقوف، وأخذت أنظر إلى تلك الجموع الملقاة على جنوبها وبطونها، امتدت أيد مرتعشة وأخذت تمسك قدمي وتسحبني، فقط كانت فكرة الوقوف محرمة، فكيف بمحاولة الوقوف حقيقة.
سحبتني آلاف الأيدي وغمرتني في تربة أفكارها، بدأت فكرتي تتلاشى، وكنت أنظر إلى الظلام يلتف حول عيني والتراب يسحق جسدي، حتى اختنقت، وانتبهت من الحلم.
لقد كان كابوسا لعينا، أن تحاول الوقوف في غابة المنبطحين.
سوسة 11/02/2020