3 دقائق للقراءة
ذات مساء هادئ مسكون بالهواجس والرغبات، جلس ثري بملابسه الثمينة وساعته الغالية على طاولة مما يكون قصور الأثرياء، وقد بسط أمامه الدنيا التي أوتاها: الكثير من الذهب والفضة.
أوراق نقدية كثيرة، سندات بنكية، أوراق ملكية لأراضي ومصانع ومباني.
وصور لعدد كبير من الجميلات.
قال في نفسه: هذا فقط ما أعطاني، لم يعطني شيئا، فقد أعطى فلانا أكثر مني ذهبا، وأعطى عدوي البغيض الذي ينافسني مالا ومصانع أكثر، وهنالك في الأرض من لديهم عشيقات أكثر، وأموال وضياع أكثر.
أنا لا يكفيني هذا، لا يرضيني هذا، أريد المزيد.
فلماذا لا يزيدني.
وإن لم يزدني فبذكائي وقوتي وما عندي من مهارة وعلاقات سأزيد.
أحتاج فقط إلى خمسة أعوام لأتجاوز خصمي وأكون أغنى منه.
عشرة أعوام، وسأشتري كل ضيعة حول هذه المدينة.
وفي جسدي قوة لألتقي ما بقي من ألبوم الصور، كل الجميلات سيكن لي، عشرون عام من اللذة أو حتى أكثر، هنالك أدوية ورياضة وسأكون في لياقة كبيرة.
ثم سوف…
خلف ذلك الرجل في قصره، على طاولته، كان يقف ملك الموت، وهو يحصي عليه ما بقي من أنفاسه، ومن لحظاته، والرجل في غيه لا يشعر.
خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد، صفر.
نظر إلى ساعة في يده وأخرى في جبين الرجل، وحين ظهر الصفر قبض روحه بسرعة خاطفة.
فتح الرجل عينيه، فإذا جسده ملقى أمامه على الطاولة، ومن حوله تناثرت الأوراق المالية والصور وقد وقع وجهه على قطعة من الذهب.
حرك يديه وصرخ، لم يتمكن من لمس جسمه بل نفذ فيه، ولم يستطع أن يلمس شيئا مما كان ملقى على الطاولة.
نظر فوقه فإذا غيمة سوداء ينزل منها دخان، ثم ظهرت كائنات مرعبة وجوهها مخيفة وألقوا في رقبته سلسلة وضربوا وجهه ودُبره ضربا شديدا.
نظر إليه ملك الموت وقال: ألم تفهم بعد يا أعمى البشر. لقد انتهى وقتك، وانقضت حياتك، وضاع عمرك، وضُيعت فرصتك.
صرخ: لا…لا…لا
ما زال لي الكثير لأفعله.
أريد أن أشتري وأمتلك. وأريد تلك الجميلة وتلك الحسناء. وعندي شهوات لم أشبعها، ولذات لم أذقها.
قال له أحد الشداد الواقفين حوله: من الآن لن تذوق إلا الحميم ولن تشرب إلا الغساق.
ولن تجد لذة ولن يغني عنك مال.
وليتك أنفقته فيما ينفعك هنا، ويرفعك عندنا.
وليت عمرك الذي غرك فيه الأمل، عن قصر الأجل، أفنيته في مرضاة من أعطاك ما أعطاك، فجحدت وكفرت، وطلبت مزيدا.
صرخ وضرب وجهه بيده، وقال رب ارجعون، لعلّي أعمل صالحا فيما تركت.
ظهر حجاب البرزخ وبدأ ينأى عنه مشهد جسده وقصره.
رأى زوجته تشتمه وهي تمزق صور عشيقاته، وتقول له: قتلتني عمرا كاملا، والآن تموت فجأة كما ينسحق الذباب، لأنك ذباب جعلتني أكره الحياة.
رأى أبناءه يضرب بعضهم بعضا وهم يتنافسون على الذهب والمال الملقى على الطاولة.
ورأى كل ما بناه خرابا، وكل ما ظن أن لن يزول زائلا.
صرخ وصرخ وصرخ، حتى انتفض جسده، ومدت زوجته إليها ترجه لتوقظه.
استيقظ وفي حلقه حرارة ومرارة كمزيج من العلقم والنار.
كان المشهد ما يزال عالقا بين عينيه كأنه حقيقة، بل أجلى من الحقيقة وأكثر واقعية من الواقع.
شرب كأس ماء، عبّه عبّا وأنفاسه تتقطع.
نادى على أبنائه وضمهم، وقبّل جبين زوجته، وكلم مدير أعماله، ومن الغد ولد رجل جديد، ينفق في الخير، ويراقب جبينه كل يوم، يرى الأرقام التي فيها حساب أنفاسه ولحظاته.
وكان يصارع الوقت قبل أن ينتهي، ليرضي ربه ويكافئ الإحسان بالإحسان.
ومن خلفه كان ملك الموت يبتسم له، وبجواره وقف رجل أخضر الهالة وقد أمسك مسبحته وردد: سبحان من يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي”.