2 دقائق للقراءة
يحكى أن أرضا سوداء ترابها أسود وليلها أسود لا يعكر سواده نجم ولا قبس، كان بها مقبرة سوداء فيها قبر أسود بلحد أسود تحته صندوق أسود فيه كفن أسود يلف كلبا أسود قلبه أسود تسكنه ديدان سوداء عمياء بالفطرة كانت تتخاصم في شأن الألوان وعددها وعدتها.
لكن راو أجلى بصيرة قال: تخاصمت الديدان مرة أيها أعلم بالألوان، وكانت تعيش في قلب أسود لكلب أسود في كفن أسود في صندوق أسود في قبر أسود بلحد أسود في أرض سوداء ترابها أسود في ليل أسود، وكانت ديدانا سوداء وعمياء بالفطرة، فقالت الكبرى وهي ملكة الديدان: الألوان خمسة، وصمتت.
إن معرفة الرقم خمسة أمر عظيم في تلك النقطة من التربة السوداء، والتي كان الليل يطبق عليها من الجهات السبع، جهات أربع للريح التي لا تهب، وجِهة سادسة لحراس المقبرة، والجهة السابعة لحاكم القبر وساكنه، الكلب الأسود الرميم، وتذكر كبيرة الديدان أنها سمعت حفار القبر يقول: “خمسة أيام ونحن ندفن هذا الكلب، وكلما تركناه تحت اللحد رجعنا لنجده فوقه، عجيبة، حتى القبر يرفض استقباله، لابد أنه عض الكثيرين في حياته، ورفع رأسه للأعلى كثيرا وهو ينبح على السماء وعلى السحب والطائرات”.
ومنذ ذلك الحين، والدودة الكبرى تحفظ الرقم وتردده في كل أمر، فإن سئلت عن أفضل الأيام قالت خمسة، وإن سئلت عن أول الأرقام قالت خمسة، وإن سألوها عن عدد الديدان في قلب الكلب، لأنها كانت تأكل من قلبه الأسود الذي هو في الحقيقة بحجم جثته، كان كلبا أسود بلا رأس، فقط ذيل سوداوي وقلب أشد سوادا، وقد قال بعض علماء الديدان أن رأسه في آخر ذيله، إذ لا يعقل أن ينبح من دون رأس، كما لا يعقل أن ينبح الذيل، الذيل ممسحة للأرض، ومنديل للترحيب، ومراوغ ماهر للريح والوعود والأمنيات، لكنه لا يصلح أبدا للنباح، لأنه لا يعرف كيف يعض دفاعا عن نباحه..
فجأة سُمع صوت خافت، كان ملك الديدان يخرج من قيلولته، وقال بصوت تعافه الحكمة وتخشاه المعرفة كما تخشى الكذبة من وجه الحق: اعلموا أن الألوان كثيرة، وأنا أعرفها طبعا، فقد أخربني جدي عن جده عن ملك الدود الأول…
ثم شهق شهقة ومات، فركضت إليه الديدان على بطونها..لــ..تأكله..
حدثت دودة صغيرة ولدت قبل أن أحكي القصة بلحظات، أنها تعرف الألوان جميعا، وقالت لجارتها:
إني أخبرك عن الألوان..إنها كثيرة، وأعرفها..وهي خمسة..الأسود الغامق، الأسود الداكن، الأسود الكحلي، الأسود الليلي، والأسود العنسي.
وحين سمع قلب الكلب الأسود اسم الأسود العنسي، اهتز كمن دبت فيه الروح، حرك بقايا ذيله، وهنالك من بعيد، كانت مركبة سوداء تحملها سحابة سوداء عليها رجال سود يلبسون لباسا سوداء يحملون سياطا سوداء تنزل من سقف السماء مسرعة، حينها أغمضت الديدان أعينها، وابتدأ الحساب..
طرابلس
10/07/2008 01:57:13 ص