2 دقائق للقراءة
هذا اليوم كان طويلا جدا، وكان ليله أطول.
فقد زارني الألم الذي يزورني بين الفينة والأخرى.
ذلك الألم الذي رافقني منذ الطفولة البكر، متخذا أشكالا مختلفة.
واستوطن مواضع كثيرة من جسدي وقلبي وروحي.
والحقيقه اني تعودت على شتى صنوف الألم، وأن السقم الذي صب حقده علي منذ أول أيامي في الدنيا، مع النزيف المستمر، والوجع الدائم، كان النار التي انصهر فيها معدني، وكان قاسيا كما ينبغي على كل صانع سيوف أن يكون، وكنت وما أزال قوي التحمل شديد الصبر.
إلا حين غزا ذلك الألم قلبي، وأوغل في روحي، فقد كان أعظم من أن يطيقه بشر.
غير أني ذو يقين، ولا أرى الدنيا سوى امتحان.
علمني الألم أن أقبل الضعف والوهن حين تنهشني ذئابه، وتضربني حرابه، وتوغل في لحمي خناجره، أو تمتد يده في أحشائي ليمزقها بمخالبه.
حينها تخور قواي، واستسلم لموجة طويلة من الوجع استمرت في صباي أعواما وكانت لا تتوقف لأيام.
لكن الألم علمني أيضا كيف أتحمل، وأقاوم، وأقف مجددا على قدمي، لأنعم بكل لحظة عافية، لأدرب جسدي وأصقل عزمي، ولأحرر التنانين الساكنة في دمي، والتي تطير في آفاق روحي نافخة نار الإبداع لتضيء في العالم وتبهر الدنيا.
وها أنا مجددا، جسم واهن، وعزم متقد.
وخنجر يطعن بحقد أمويّ في جسد عَلَويّ.
لكني غدا سأنهض من جديد، وأخرج من رماد احتراقي لأنظر في عيني ذئب الألم، وأبتسم له.
فشراسته لا تخيفني، ومخالبه لا ترعبني، وأنيابه التي تقطر من دمي لا تزيدني إلا يقينا.
لأني من معدن آخر، من عالم غير هذا، عالم الأرواح العظيمة، التي حُكِم عليها أن تُسجن برهة من الزمان في طينة الأجساد.
وسأغادر سجني يوما، لكني سأسحق ذئب الألم بقبضتي قبل ذلك، وأريه عيني ذئب من ذئاب السماء.
ذئب يستطيع أن يؤلم الألم نفسه، وأن يوجع الوجع.
وأن يصفع الدنيا، بكل ما فيها من مؤلم أو ممتع ولذيذ.
ذلك عهد علي، ولو بعد حين.
# *مازن_الشريف_كلمات_من_فيض_الروح*
# *ألم*
# *أن_تقف_مجددا*