3 دقائق للقراءة
على الرغم من حداثة سنه، ومن تلك الأحداث العظيمة التي زلزلت العالم قبل ولادته بمائة عام، فإنه كان شغوفا بمعرفة ما يتجنب الآخرون معرفته.
كان شغفه الأكبر علم الشر، وفهم آلياته وأسبابه وقوته وفتنته، لأنه في عالم انتصر فيه الخير على الشر انتصارا ساحقا، وظهر صاحب الوعد بكل القوى التي كان يمتلكها، والقوة التي كانت معه والتي استعمرت البر والبحر والجو بما لم يتصور البشر المغرورون بأسلحتهم وتطورهم وقوتهم حينها، وتم سحق كل ذلك في لحظات.
لكنه كان يستشعر قوة شر كبيرة لم يسبق للبشر أن عايشوها، تفوق قوة كائن النار الذي انتهت فترته بنهاية تلك الحضارة التي تم سحقها وسحقه معها مع كل ما أنجب ومن كان معه من كائنات النار والطين.
قوة الشر التي بقي بعضها يختفي في صدور تظهر عكس ما تبطن، وتتناسل ليكثر عددها، كانت ما يشغل جون بيير أكثر من الخير المنتصر، لأن الخير لا خطر منه، ولكن الأخطر هو الخطر الذي عليه، والذي قد يقوض السلام، بل لعله القدر المحتوم قبل نهاية النهايات.
كانت البشرية في طفولة جون بيير تعيش نشوة الانتصار العظيم لقوى الخير، وتستحضر مشاهد انفتاح بوابات السماء على الأرض وظهور ما كان خفيا ليكون جليا جلاء مشابها لما كان من أمر كل أمة تم إفناؤها، إلا أنه كان تجليا أعظم من كل ما سبقه.
وكان الكوكب كله يدين بدين واحد، ويحكمه رجل واحد، ثم من بعده أبناؤه وأحفاده، في سلالة ممتدة بين مختارين وموعودين.
ولكن أحلامه التي داهمته بوجه مخلوق مشوه شبيه بتنانين الأساطير، مع أطياف تسعة، كانت موجهة له ليبحث في الشر القادم أو يبحث عن الشر القادم.
وكانت ثقافته الأوروبية الأصل، والتي تطورت مع بقية ثقافات العالم لتكون ثقافة إنسانية واحدة جامعة بعد زمن الظهور، كانت تمنحه رصانة تفكير وقوة تفكيك منطقي وفلسفي، ورغبة جامحة لمعرفة المزيد.
قصد أحد قاعات فنون الدفاع المنتشرة في المدينة التي يسكنها، مدينة الأنوار.
وكان مغرما بمعلم اسمه الأستاذ هنري، لذلك حين وجد قاعة يدرب فيها معلم يحمل نفس الاسم، فقد انخرط مباشرة ليتعلم فنون الكاراتي والأيكيدو الجميلة.
حين بلغ الحزام الأسود، وتمكن من فتح بوابات الطاقة فيه، وهو علم سري قديم عاد بعد ما حدث للكوكب، حينها اتخذه المعلم هنري تلميذا خاصا، وأهداه كتابا عليه اسم شينوبي، كتاب ألفه ننجا ياباني في القرن السابع عشر، وفيه مقاطع من كتاب المعلم كي تونغ امبراطور الأراضي الصفراء صاحب الملحمة قبل خمسة آلاف عام من زمن شينوبي.
وفيه كلام عن لونغ التنين والمعلمين السبعة الكبار، وعن المعلم الأكبر تايبنغ، الذي ولد بعد الطوفان بألفي عام ونيف.
ويبدو أنه رأى ما رآه جون بيير في أحلامه: مخلوق الظلام الأول، الذي يسميه شينوبي التنين الأسود، أو تنين الظلام، في كتابه السري الذي أعطاه لتلميذه ياموتو، ليتم تناقله في سلالته من بعده، ثم وصلت نسخة مخطوطة منه إلى المعلم هنري الجد من معلمه تاكيدا، ثم وصلت المعلم هنري الحفيد، معلم جون بيير وأستاذه.
لسنوات درس ذلك المخطوط، ثم سافر وبحث عن بقيته، لرؤى رآها وأمور جهل مصدرها، حتى أوصلته رؤاه إلى تلك القرية المخفية أو ما بقي منها، وتحت شجرة حمراء غريبة الشكل، وجد ضالته، بل عثر معها على نسخ من مخطوطات بلغة قديمة وعليها بخط يد المعلم شينوبي: هذه نسخة من المخطوطة العاشرة لشايثا وهي عن الختمات وبوابات التنانين.
ثم شروحات تحمل توقيع ياموتو.
كان ذلك اكتشافا مذهلا، وكان لمعلم ظهر فجأة دور أساسي فيه.
أن يكون فعلا أحد تلاميذ المعلم تايبنغ فهو أمر لم يتصوره.
وأن تكتمل عنده الصورة ويجد الحقيقة خلف الأسطورة، فهو أمر فاجأه كثيرا.
لكنه تعلم من معلمه ألا يتفاجأ، وأن يتوقع كل شيء، ولا يتوقع شيئا.
وهكذا كان.