3 دقائق للقراءة
لم يكن سلاندر ملكا عاديا، بل كان الملك الذي تنازل عن عرشه طوعا، وترك كل شيء، وانضم للمعركة كجندي تاركا قيادة جيشه لوزيره، وتاج الحكم لزوجته.
لكن الجيش كله تحرك خلفه، فقد كان اتباعهم له أكبر من تاج يضعه على رأسه، وكان ما فعلته الملكة أشد إقناعا، فالمرأة لها سرها الخاص في التأثير على القلوب وتحريك الأرواح وتحفيز الهمم.
إن الانضمام للحرب ضد التنين الأسود وجيشه من المسوخ البشرية وأطياف الشر وآلاف اللصوص والقتلة والمجرمين، لم يكن اختيارا بل كان واجبا عليه، لكنه ترك لجيشه حرية التحرك من عدمه، لأن الحرب كانت مرعبة وفي أرض بعيدة، وحين رأى الخوف في العيون نزع تاجه ومضى بخطوات ثابتة وامتطى جواده ولم يلتفت خلفه.
حين رأى قادة الجيش والجنود المشهد مكثوا في الصدمة برهة، حتى تكلمت زوجته ميسكان وقالت: إن الحروب مهما كانت قاسية ما هي إلا جزء من امتحان الحياة، لقد كان جدي الأول امبراطورا أيضا، ترك كل شيء ليتحول إلى تنين، أعلم أنكم لا تصدقون شيئا من ذلك، لكن ثقوا بي إنه أمر حقيقي، فأنا حفيدة يوجين، وعمي المعلم يوشين، وجدي التنين البشري معلم فنون السماء، وهذا ختم التنين، لتتأكدوا.
حين أخرجت الختم لمع بقوة لم تتحملها أعينهم، إنه الختم الأسطوري، الذي أعطاه المعلم تايبنغ ليوجين حين عينه امبراطورا مكانه.
كيف تم الحفاظ عليه حتى وصلها، تلك قصة الأخرى، فالمعلم الذي تجدد وارتفع، ما يزال من الأحياء في عالم الفناء رغم اتصاله بعالم البقاء، فهو مرفوع إلى موعد ووقت معلوم، ولم يكن سواه من منح ذلك الختم لحفيدته، وهي من تلك الثلة التي نجت من طاقة الشر، وكم كان يحزن حين كان يرى نصيبا من أحفاده قد كتب اسمه في لوح الأشقياء، وتلك حكمة مرة لم يتمكن من فهمها رغم كل معارفه.
إن زواجها بحفيد المعلم النمر، لم يكن مصادفة، بل سبقته رؤى، ثم كان لهما معا شرف رؤية المعلم، الذي سلمه سيف فودجا، أو أحد سيوفه المشعة، وسلمها ختم التنين، ليلة زفافهما.
مع ازدهار المملكة، تتالت الأخبار عن كي تونغ وبطولاته، وعن فتح بوابة تنين الظلام من قبل الساحر الأسود، وانيش، حفيد الساحر سفردايم، والملك الشيطان سفاريم.
وحين بدأت الأطياف السفلية تتمظهر أمام أعين البشر، ووجد كل فاسد روح ونفس الفرصة مناسبة ليظهر شره أكثر، حالما بأن يحظى بشيء من قوى التنين الأسود، بدأت الأرض تتعفن كثمرة فاسدة، وكان على الملك أن يقرر بحزم، وأن يمضي ولو وحده، مخفيا سر سيف فودجا، وسر الختم الذي تركه لزوجته كي تستمر في الحكم بعده في حال تمرد من سولت له نفسه ذلك، ولا يخلو ملك من طامعين.
وكان حين تخلى يطبق ما أملته عليه روحه، وما ورثه من دم جده القديم، المعلم النمر، صاحب الملحمة الكبرى.
وقف الوزير وقال: لن أنعم بحياة الجبناء وملكي يواجه الظلام وحده، أنا سأنضم إليه.
وقف قائد جند الميمنة بجسمه الضخم وأشهر سيفه الثقيل وزمجر: إن ما جعلني لا أتحرك صدمتي مما فعله جلالته، لكني عزمت من قبل على القتال، وكنت أحب أن أرى مواقفكم.
وقف كل القادة وأشهروا سيوفهم، والملكة تبتسم وهي ترى طبيعة البشر، ومكر الأنفس، وعرف الصادق منهم والمدعي، ولكنها ترى الخير في أعماقهم جميعا، وتحملهم إلى ضفة الصدق والولاء بذكاء كبير.
جدد الوزراء والقادة عهد الطاعة، وساروا معا إلى الشرفة العالية، وفي الخارج كانت تتعالى هتافات الجنود الذين تجمعوا في ساحة القصر العظيم الشبيه بقصر الملك شاوندر في أساطير ما بعد الطوفان.
خرجت الملكة تحمل ختم التنين وأطلت من الشرفة، ومن حولها القادة، رفعت يدها فلمع ضوء قوي ساطع، ثم اقترب الغمام بسرعة وظهرت تنانين ملونة.
انطلق الجيش خلف ملكه وأدركه بعد يومين، ثم سار الجميع إلى حيث ستكون الحرب الحتمية، حرب من الحروب الكبرى، ولن تكون في صفحات الزمن حرب شبيهة لها، سوى حرب دولة الظهور، والتي سيرجع بعدها التنين الأسود ليكون بابا للنهاية الأخيرة.