3 دقائق للقراءة
“طفل مدلل، ولدك طفل مدلل”.
اتسعت عينا الملكة ثم حنت رأسها بشيء من الحزن وكثير من الحب.
كان والده يقف بملابسه الملكية المزركشة والمرصعة بالياقوت والجواهر، وفي يده خاتمه الماسي الكبير وفي داخله لؤلؤة النور الأزرق تتحرك داخلها قوى لا حصر لها، وعلى رأسه تاج الماس والذهب.
كيف لمدلل أن يكون الحفيد الخامس عشر لأول طيني يسكن كوكب الملحمة الأخيرة.
زمجر الملك وهو يبحث بعينيه الغاضبتين عن ولده الذي فر مجددا من ساحة التدريب وأتعب مرة أخرى حكماء القصر بأسئلته التي لا تنتهي ولا يعرف أحد كيف يجيب عنها، وكاد وزيره يفقد عقله من ترديد ابنه لكلمة تنين، لا وجود للتنانين يا امرأة، على الأقل لم يعد لها وجود الآن، أو لم نعد نراها منذ غرق الأولين.
نظر إلى تورد خديها والدمعة التي تكاد تنهمر من أجمل عينين في المملكة، فخفض صوته وقال بحنان: يا كيدار يا حبيبتي، أنت تعلمين أكثر مني أن ولدنا هذا ليس كغيره، وأن النبوءة تحدثت عنه.
نعم أنا ملك أرض الياقوت الأحمر، وملك صحاري الذهب، وما خلفها من تلال وغابات ومدن، عامرة بالبشر، مزدهرة، قوية، ولنا سفننا التي تجري على البحر، وسفننا التي تجري فوق الغيم، وجيوش وقوى وعلوم وقدرات ومعارف، لكن درس الطوفان الذي شهده جدي الرابع لا يمكن نسيانه، لقد غرق سبعون مليار بشري قوي طويل يعيش آلاف السنين يصنع أسلحة أقوى وسفنا أعظم تنتقل في المكان وتطويه وترتفع في الجو وتغوص في البحار.
ثم استجمع بقايا غضبه وعدل من صوته ووقفته.
ابنك مدلل يا جلالة الملكة، وأنت تفسدينه بدلالك له.
خرج غاضبا، أو هكذا كان يدعي، ومن خلف السرير أطل طفل.
مسحت دموعه وقبلت جبينه.
تايبنغ يا ولدي، لقد سماك والدك باسم السلام لتكون ملكا ينشر السلام. قدرك مختلف، لقد حلمت بك قبل أن أعرف أني سأتزوج الملك العظيم شاوندر.
كنت طفلة في قصر والدي أمير بحار اللؤلؤ، ورأيتك.
حتى اسمك أخبرتني به أرواح الرؤيا، لم يكن في لغتنا ولكني ألححت على أبيك واستعنت ببعض الدمع والدلال الأنثوي ومكر الجدة الأولى.
صحيح أن أرض مقاتلي الظل الأصفر ونساك المعابد المنسية بعيدة، ولكن روحك تنتمي إليهم، لذلك كان اسمك بلغتهم.
أنت في نبوءة الجد الرابع، حدث عنك أبناءه بعد أن نجوا، سيكون لك مجد وتكون رجلا آخر، مستوى مختلف من الترقي البشري.
لست مدللا، أنا فقط أحاول أن أعلمك شيئا من الفن، أما والدك فيريدك ليلا ونهارا مع مدرب الجيش، لتتعلم القتال بالسيف، أنت صغير على هذا ويدك طرية.
كان ينظر إلى وجهها يتلألأ بأنوار المحبة وروح الأمومة، غمغم بحزن: يدي ليست طرية.
خرج مسرعا وقلبها يرقص شفقة عليه، نظرت إلى حيث كان يقف وشهقت.
لقد بقيت أثار أصابعه على مقبض السرير، أنامل رقيقة اخترقت المعدن الصلب.
إن ولدها هذا سيكون أعظم المحاربين، هكذا كان قلبها يحدثها، وكانت تصدقه.
منذ تلك اللحظة تغير كل شيء في حياة ذلك الطفل ذي الشعر الطويل على كتفيه.
كان وسيما ذا عينين سوداوين ورثهما عن أبيه، ولون أبيض مشوب بحمرة ورثه عن أمه، وكان طفلا مختلفا في كل شيء، كأن أرواح الحكماء تسكن عقله الصغير، رغم كثرة شغبه وسرعة حركته.
حين بلغ الخامسة عشر كان قد أتقن من فنون الدفاع قدرا يفوق عمره بكثير.
وكان يعشق فن السيف، ويحب الحركات البهلوانية، والجري فوق أسطح المباني والقصور الشاهقة.
لم يعد الطفل المدلل في عين والده، ولا الضعيف في عين أمه، بل أصبح حديث المملكة، ولم يكن أحد يفوق قوته وهو بذلك العمر، إلا والده أعظم مقاتلي الأرض في زمانه.
ذات مرة وجد بعض المتنمرين يضربون شابا في ركن من أركان المملكة، غضب كثيرا، ومن فرط غضبه ضربهم بقسوة، وحين سدد ركلة قوية لأحدهم أمسكته يد صلبة مفتولة العضلات، نظر خلفه فرأى والده ومعه افراد من الفرقة الخاصة، فرقة المقنعين.
نظر والده الى عيني ابنه فوجد عيني ذئب لا عيني بشري.
حينها تيقن من رؤياه، وعرف ما عليه فعله، ولو كان قاسيا، بل في غاية القسوة.