2 دقائق للقراءة
(رغم قصره فهذا المشهد سيحدد مسار الرواية السابق واللاحق له، اترك لكم تخيل بقية الرواية، وربطها بالرواية التي سبقتها، والتي تليها)
كانوا ثمانية ناجين من تلك السفينة.
تلك كانت أسماؤهم، وتلك كانت ملامحهم، وهم يتشبثون بالحياة، وسط الحطام، والجثث المتناثرة، والموج المرتفع، وما رافقه من ريح وبرد ومطر، في عاصفة لم ير البحر لها مثيلا.
كانوا في ظلمات فوقها ظلمات، مع قليل من ضوء الشمس المتسلل خلسة بين الفينة والأخرى من بين السحب الكثيفة.
كل واحد منهم تشبث بلوح.
إلا ثلاثة، فقد تشبثوا بلوح واحد:
الشاعر، الذي استلهم من الغرق معاني كان ليكتبها في قصيدة عظيمة، لو كتبت له النجاة.
والعاشق، الذي رأى في تلاطم الموج تعبيرا عن لواعج عشقه، وفي الغرق ما يشبه حالته حين رأى عينيها أول مرة.
والمجنون، الذي استرد شيئا من عقله من هول ما رآه، لكنه كان يضحك في مكان آخر، أو هكذا خُيّل له.
“سَلْفُوتْ” كان يحاول السباحة، ولم يكن يعرفها، ولم تكن ملابسه ولا لحيته الطويلة يساعدانه.
“فَلْسَفْ” كان يحاول التركيز على الحكمة الوجودية من كل ما حدث.
“مُريدْ” كان يردد أوراده في قلبه، يطلب مدد شيخه، ويرى أنه سيلقى ربه.
“مُلحد” كان يصرخ: يا رب سامحنا…وكان في هلع شديد.
“سكران” لم يشعر بشيء، وشعر بكل شيء.
وكل ما كان يهمه أن يتمسك بقارورة الخمر أشد من تمسكه باللوح، وكاد يغرق لو لم يمسكه مريد بيده القوية.
ثم لمع ضوء، وظهر رجل يمشي على الماء.
كان يحمل مسبحة تضيء، وعصا.
لم يكن الماء يبلله، ولا كان تلاطم الأمواج يحركه.
نظر إليهم بعينين مشعتين، ومد يده.
غابوا عن الوعي جميعا.
واستيقظوا هنالك…
في تلك الجزيرة، التي فيها جبل.
#المنارة_تميز_وجدارة
#روايات_خضرية