2 دقائق للقراءة
كنت طفلا في كوخ الطين، حافي القدمين رث الثوب، وكان في قلبي يقين بغد مختلفة، وذات مختلفة عن ذاتي التي أراها.
وقفت أمام المرآة التي كنت أتدرب أمامها على تطوير مهاراتي وحركاتي في فنون الدفاع، فقالت لي: تأمل انعكاس صورتك علي.
نظرت فإذا رجل بملابس أنيقة يقف مبتسما واثقا.
مد يده إلي وصافحني، ثم جذبني إلى داخل المرآة، وهناك في عالم غير عالمي، وزمن غير زمني، طاف بي في رحلة اختزلت ما بيني وبينه من سنوات، ورأيتني صبيا متقد الطاقة، وشابا متوهج القلب.
شاهدتني في حالات شتى، بين فرح وترح، قبض وبسط، سعادة غامرة وألم طافح.
كل ذلك كان وقود الرحلة التي أوصلته إلى ما وصل إليه.
نظرت فوقنا فإذا شيء لم أتمكن من تمييزه، كان كالقرص الطائر المضيء، ومنه نزل رجل آخر أكبر حجما وأشد هيبة، ضمني بحنان وهو يهمس في أذني: سببت لك الكثير من الأذى، سامحني، لكنه كان لأمر يستحق، انظر أمامك.
نظرت ورأيت ما رأيت، مما عجزت عن تذكره حين غادرت المرآة وودعت الرجلين الذين وقفا كل في عالمه وزمنه يؤديان لي التحية بود.
قلت لزميل لي في المدرسة: غدا سأكون مختلفا، وسأصبح رجلا عظيما.
ضحك كثيرا رغم أنه لم يفهم معنى الاختلاف ولا تصور طيف الرجل العظيم.
أمام المرآة كررت الحركات القتالية مرارا وتكرارا، حتى أتقنتها.
وكنت في كل مرة أرى الرجل الأنيق القوي يبتسم، وأحيانا يكون معه آخرون، كأنهم معلمون كبار أو كائنات من برزخ الأنوار ومكامن الأسرار…
ها أنا الآن أركب القرص المضيء يحملني إلى أعلى، أنظر إلى ذلك الطفل الذي كنته، يقف أمام المرآة، وذاتي الوسطى تتمثل له رجلا أنيقا يجذبه داخل المرآة ليريه وجه المستقبل العجيب.
ستكون رحلة شاقة، لكن لأمر يستحق.
سوسة 03/06/2024