5 دقائق للقراءة
جلس تايبنغ في المعبد، واستمع لحوار رجال الوقت عن الخالق والبديع، وكان تعلمه للسان العربي أمرا لازما لأنها لغة السماء، ورغم أنه كان يطلع على قوم انتقلوا عن الدنيا في حين كان مقدرا له وعليه أن يكون من المُنظرين، فإنه كان من رجال الوقت أيضا، ومن الصالحين في أمته الذين نالهم شرف الاختيار.
لمع ضوء في ركن من أركان المعبد، ثم ظهر رجل وضاء المحيا، فنهض تاينبغ مسرعا وانحنى أمامه وهو يقول بلسان مبين: مولاي السيد الكلمة، أي سعادة أن يزورني قائد المُنظرين وسيدهم.
لمع ضوء آخر فظهر خمسة من المرفوعين: داريوس الأول، إليسيان، أراهات، كريش، وعزيران الذي مات مائة عام ثم عاد حيا وتم رفعه.
ثم دلف بعدهم سبعة مرفوعين آخرين، فتية ناموا في كهف ثم استيقظوا ومكثوا تسعا يعلمون، ثم تم رفعهم.
حياهم جميعا بود ومحبة واشتياق وقال: لقد طال شوقي إليكم أيها السادة المبجلون.
ثم بختمة من يده على الأرض لمع ضوء وظهر تلاميذه جميعا: فيلق التنانين: فودجا، لونغ، تشو، تشي، ين، يانغ، وشقيقتهم الجميلة ونغ تشون زوجة تشو.
فيلق مقاتلي الظل: فيه كل من “كي تونغ” و”كوان تزو” وشينوبي وياموتو.
وفيلق الظلام بقيادة ابنه يوشين، ومعه كل من “هو لاو” وسفردايم.
وقد احتار فودجا أين يقف لأنه ينتمي لفيلقين، فتخاطر معه المعلم: أنت من التنانين أساسا يا نمر.
لمس تشو الجدار فانفتح باب من الصخر، وظهرت قاعة كبيرة عليها كراس كثيرة، قال تايبنغ بتواضع: السادة المنظرون، المرفوعون والذين يعملون في نطاق الكوكب، أهلا وسهلا بكم، هذه غرفة سرية في مجمع البحرين لا يمكن لكبير الشياطين التجسس عليها.
ضرب الإبليس الأكبر وجهه بغضب وهو يراهم يختفون خلف جدار عليه ختمة طاقية عازلة في بعد لا يُسمح له برؤيته حتى ببلورة الرؤيا التي أعطاه إياها المعلم الأعظم في أحد تقمصاته حين كان نائب آمر جيش الكون الأول المسمى بصاحب القرنين، ولم يدرك الأمر أبدا.
جلس السيد الكلمة وبدأ الكلام قائلا: إننا منظرون، وكذا كبير الشياطين ذاك، الذي قال له ربنا: إنك من المنظرين. وكان يعلم بوجود النُّظرة فطلبها حين استيقن أنه خسر كل شيء، فأنظره إلى يوم الوقت المعلوم، رغم أن المسخ الناري طلب النّظرة إلى يوم يُبعثون، فمُنح قريبا من طلبه، ولكن دونه.
والوقت المعلوم هو وقت ظهور السيد الغريب، ونزولنا نحن المرفوعون، وتمظهر جميع المنظرين بشكل مادي، وكل ذلك سيكون غدا.
بدت الصدمة على ملامح تاينبغ وتلاميذه.
أشار الكلمة إلى الجدار فظهرت شاشة تعرض مجلس ولي الله ورجال الوقت ومن حولهم من كائنات النور والنيرين من كائنات النار، وكانت الملكة أورما ملكة الجن الأبيض قد كُلفت بحماية ذلك المجلس مع جيشها من طوائف السفليين الذين كانوا يحاولون اختراق الحاجز النوراني ويحترقون كالحشرات المنجذبة إلى النار، فتلك ليلة تسبق تسعة أيام فقط من زوالهم جميعا.
قال السيد الكلمة: إن المنظرين مكلفون بمهمات، ولكن أهم مهمة تأييد الغريب أمام الشعوب التي تتبع بعضنا، كالشعب الذي يتبع أخانا أراهات.
كل تلك الشعوب ستؤمن حين ترى من كانت تعتقده إلها يكلمها أنه عبد من عباد القدير، وأن الراية تؤول للغريب، والدين الذي ينشره، وهو ديننا جميعا، ونحن كلنا على دين المحبوب.
قال طاويان كبير فتية الكهف: لقد تم تنويمنا ثلاثمائة عام، نمنا وحرسنا كلب له سبعة رؤوس أتوا به من سجن التنين الأسود، فكان باسطا لذراعيه بالوصيد، وكان المعلم الأعظم من دلنا على الكهف وعلمنا زمنا، ثم كان من قلّبنا ذات اليمين وذات الشمال، كما أراد ربه.
ثم أيقظنا وأعطانا وَرِقا وطلب ممن مضى أن يتلطف، ولكن البائع حين رأى ورِقا قديما ورأى هيئة صاحبنا ألح في سؤاله، وحين عرف أقبل مع القوم وأيقنوا الخبر، ثم قالوا ابنوا عليهم بنيانا، ثم غلب العارفون على المؤمنين فاتخذوا علينا مسجدا، ودرًّسنا تسعة أعوام من عجيب ما علمنا ربنا، ثم اختفينا فجأة.
ولكم سَرَّنا أن يكون الغريب من الأرض التي كان فيها كهفنا.
وها نحن نستعد للظهور معه وتأييده وإظهار برهاننا بين يديه.
قال عزيران: هنا يجتمع من نام ثلاثمائة عام، ومن مات مائة عام ثم أحياه ربه وأحيا أمامه حماره وكان طعامه لم يتسنه، وما يزال البخار الساخن يتصاعد منه، مع من ظنوه مصلوبا ولكن صلبوا المعلم الأعظم مكانه حين شُبّه لهم، ومع مرفوعين قبله، ثم مع هؤلاء المعلمين الكرام.
إنه لمجمع عظيم حقا، بقدرة القادر سبحانه، وأنا أعلم أن الله على كل شيء قدير.
ردد تايبنغ: ليتمجد اسم القدير.
وقال الجميع: آمين.
وفهم كل واحد منهم دوره، وافترقوا على أن يكون لقاؤهم في الموضع المحدد، وفوقهم كان الكوكب ذو الذنب يتقدم، والدخان يسرع، والثلج يتساقط بغزارة، ويغطي البقاع المقدسة.
أطلع تايبنغ تلاميذه على مهماتهم، فنفذوا ختمة الاختفاء في وقت واحد، ليقفز كل واحد منهم عبر البوابة إلى موقعه المحدد بدقة.
لقد كانت ليلة موعودة من قبل خلق العوالم، ليلة الملحمة الكبرى، والظهور العظيم.
وكان المنظرون ينتظرون منذ حقب، في برازخهم ومواقعهم الخاصة، وكانوا يعلمون أن حمل الغريب ثقيل، وأن شياطين البشر سيقولون أنه فضائي، أو كائن من المستقبل.
وكان عليهم أن يعضدوه، ويبين كل للأمة التي تتبعه أو تظن أنها تتبعه الحقيقة بالبرهان الساطع القوي.
وكان لآخرين منهم مهمات أخرى.
وكانوا جميعا مكلفين بأن يكونوا من وزراء الغريب، حين يصبح سلطان العوالم.
ولقد كانت الصلة التي تربط الغريب بالسيد الكلمة وأمه صلة عظيمة، لها امتدادها في عالم الروح، ولها استمرارها حين أصبح الغريب جسدا.
فقد كان يبكي حين يناجي أم الغريب، الصديقة النقية، ومرة رام كتابة شعر عنها في آخر الليل، فدخل طائر ملون ألوانا عجيبة لم يسبق أن رأى مثلها، من النافذة، حلق أمامه قليلا، ثم مكث في ركن ينظر إليه بهدوء، فعرف أنها أرسلته، ولما أتم مناجاته لها، غادر بصمت، بعبق تلك الروح، وجمال الألوان التي سحرت قلبه وسلبت لبه وغيبته في فناء عشقي لطيف.
وفي كشف من مكاشفاته، التي كانت تشبه الرؤى إلا أنه يكون فيها أكثر وعيا، وقد استيقظ عقله الجسمي في بدنه الطاقي، وجد بوابة تنفتح وإذا بالسيد الكلمة، بتاجه وشعره ولحيته وعينيه الوضاءتين، ينظر إليه مبتسما فلا ينكر الغريب من ذلك شيئا لأنه يرى صديقا قديما غاب عن عقل رأسه ولم يغب عن ذاكرة روحه.
فيقول له السيد الكلمة وقد ابتسم ومن حوله تلاميذه فلننشد معا مدحا للمحبوب، وهكذا كان، أنشدا معا وهم يرددون معهما، في تلك الرؤيا الكشفية العظيمة التي أبهجت قلبه.
وقبل ذلك الولي في أرض الخديم الذي أنكر عليه مدح السيد الكلمة في قصيدة غيرة على المحبوب، ثم جاء في رؤياه المحبوب مع السيد يبين له مقامه ويدافعان معا عن الغريب، وكاد ذلك الرجل الصالح أن يكتشف سره لولا لطف الحجاب.
لقد كان المنظرون يتجلون دوما على الغريب في الرؤى والمكاشفات، وينفحونه بالفيوضات ويعلمونه، ويساهمون في صقله، ويشتاقون إليه كما اشتاق إليهم.
وقد حدث بعض تلاميذه قائلا: اثنان تحابا وافترقا، أحدهما فقد البصر والذاكرة، والآخر مبصر متذكر، أيهما يحب الآخر أكثر.
إن الذين هم في مقام الروح أشد حبا لنا، لأنهم يروننا ولا نراهم، ويذكرون ما كان بيننا، ولا نكاد نذكر.
وكان كبير الشياطين يفاخر في مجلسه وبين الأبالسة والشياطين أنه من المنظرين، وأنه يطلع على كثير مما يقولون ويفعلون، ولولا ظلم ربه له لكان يجلس في نفس مجلسهم ويلبس تيجانا كتيجانهم، فقبل مسخه شيطانا مريدا كان ذا تاج وصولجان، ولكن رفضه السجود، جعل عليه لعنة الوجود.
وعندما حانت ليلة الاكتمال اضطرب وصرخ وفزع ومزق شعره ولطم وجهه، وتجمعت الشياطين باكية، ثم غادرت مكامنها تريد أن تفتك بالعالم، فوجدت حرسا شديدا وشهبا، ورأست ممالك الجن المؤمن قد أحاطت بها مع ممالك الروحان، وعرف الجميع أن نهايتهم قد حلت، وأن جهنم عليهم قد أطلت.