3 دقائق للقراءة
فتح بِيهارْدَنْ بوابة تفضي إلى بعد يحوي سجلّ الأرواح والمقادير، مع مهينديارا الأسد والفاضل كونيسترا قائد لواء الأفاعي.
ثم طلب سجلا محددا، من القائد يموائيل، وأراه الختم، فانحنى وقال: ما كنت لأمنع أمير الرواحين وكبار القادة، رغم أني ختمت على هذه المشاهد بسبع ختمات، لكني أزيلها لأجلكم.
قام بحركات بيده فطارت الأقفال، وفُتح كتاب فيه مشاهد أخذت تظهر وتكبر كأنها الأطياف، حتى أصبحوا داخلها، وأحاطت بهم.
إنه الروح الأعظم يُفني نفسه، ويسقط من فوق إلى أدنى.
وهنالك في تلك البلورة الكبيرة سيمكث مائة عام، وتتعاون فيالق بأكملها على ضغط حجمه لما يكون مناسبا لأن يحل في بطن رضيع، ثم سيجعلون على تلك البطن ختما.
ما يميز السجل مسار الزمن، فهو مسار يجتمع فيه الحاضر والماضي والمستقبل، فيكون الماضي حاضرا منظورا محسوسا، ويكون المستقبل نوعا من الماضي، خبرا قديما في لوح القدر، ينتظر التحقق في عالم التحقق.
فكل أمر مستقبلي، هو أمر تمّ، لكنه لم يحدث بعد، قدِّر، وينتظر أن يُقضى.
أي أنه تم في علم وحكم من كتبه وقدّره، وأحاط به تفصيلا، وبث في اللوح مشاهده التي تنزلت في السجل.
ولم يحدث تطبيقه في سيرورة الحدثان.
لذلك يرد دخول الجنة في الكتاب العظيم عن الذين اتقوا ربهم إذ سيقوا إلى الجنة زمرا بصيغة الماضي المطلق، وهو عن مشهد من المستقبل المطلق.
كان يموائيل يشرح لضيوفه شيئا عن الزمن في السجل، وعما يحويه من مشاهد، تم فيها نسخ ما كان، وتبيان ما يكون، ومحايثة ما هو كائن.
وكل ذلك مشهدي، لا خطي.
عندما مضوا في صفحات السجل وشاهدوا حياة الغريب منذ ولادته إلى انتقاله، ثم خرجوا، شعروا كأنهم مكثوا أعواما طويلة. فابتسم يموائيل وقال لهم: عندما تكونون في السجل فإن الزمن يتسارع والإدراك يتسارع معه، وهكذا تبدوا المشاهد السريعة جدا مشاهد بطيئة أو عادية، بالنظر لسرعة الإدراك، فيتم طي عمر كامل أو الدهر كله، وعندما تغادر السجل تجد أنك أمضيت بضع ثوان فقط من الزمن الفعلي.
ثم توقف عن الكلام وحنى رأسه معتذرا وقد تغير صوته وقال: أعتذر منكم سادتي، نسيت نفسي، فأنا مع من هم أعلم مني بما أذكره، وأرفع مقاما، إنما دفعني الشغف.
قال ماهينديارا: عندما زارنا المحبوب في تلك الليلة والتقانا جميعا ورأى الآيات الكبرى، ثم رجع إلى الزمن الفعلي الذي تركه، وجد فراشه ساخنا.
أضاف كونيسترا: وكذلك من يحلم حلما طويلا، ثم يستيقظ، يجد أثر ذلك الطول في ذهنه، رغم أن حلمه كله كان لثوان فقط في عمق ذهنه.
هنا سر الشساعة التي يكون بها القصير طويلا، والطويل قصيرا، حسب تفاعل الأزمنة والأبعاد، قال مهينديارا.
فالسهم الذي يتم إطلاقه في حرب ما، حين تشاهده ذبابة تراه بطيئا جدا، لكن المحارب الذي يطلقه، والجندي الذي يصاب به،
لا يريانه كما رأته تلك الذبابة.
وحين يتم تسريع الزمن، وتسريع الإدراك بشكل ملائم للتسارع الزمني، سيكون في الزمن القليل وعي كبير، وقدرة حركية تفاعلية كبيرة، وشساعة تجعل الثانية عاما.
وحين يتم النظر إلى عام من أعوام أهل الأرض بعين أهل السماء الذين يومهم بخمسين ألف عام من الأعوام الأرضية، فالعام يبدو كأنه ثانية. ويبدو دوران الكواكب البطيء سريعا جدا، كأنها الجزيئات الشعاعية تحيط بالنواة الذرية وتطوف بها.
ونفس العين حين تفعّل تسارع الإدراك، سترى تلك الجزيئات الشعاعية وهي تطوف بالنواة الذرية تمضي بطيئة كأنها الكواكب في مدارها حول نجمها الكبير وشمسها الخاصة.
تنهد بيهاردن ثم قال: ومن عاش في عالم الفناء على طول زمن عالم الفناء، ثم انتقل وجاء إلينا، سيبدو له عمره الطويل ذاك كأنه حلم صحا منه، مجرد لُحيظات.
فكيف حين يكون الحشر، ويقيس زمانه الفاني بأول لحظات عالم البقاء، حين سيتهامسون بينهم إن لبثتم إلا يوما، ويبدو ما مكثوه بين حياة الفناء والانتظار في البرزخ ومكث رميمهم في الثرى، كأنه عشية أو ضحاها.
لكن البشر في غرور، ومعظمهم لا يعلمون.