2 دقائق للقراءة
كان في بعض الأرض حقل فيه بستان، في البستان ورد وعشب، وكانت أزهار تتماوج سكرى بنشوة ريح جذلى بأجمل عصف ترفل في ثوب حرير.
كان على مقربة نهر ينبع من خلف جبل، حيث انبثقت من مقلة وجع الأرض عيون تهمي بأطهر ماء، وفي الحقل حيث البستان وزهره أغصان تثمر خجلا وجمالا، وفي الحقل حين تدقق صوتٌ وجناحان، أجنحة أخرى وصوت يزداد وضوحا، رفرفة لا كالطير ولكن أكثر دقة، قبيلة نحل كان وطنها البستان، وبين الريح وبين الزهرة والنحلة والأغصان رحلة أمل وشذى ومسافات حنين عسلية.
حين ستنظر بالعين الحجرية سترى أثرا أشد وضوحا، صوتٌ منكَر، ومخالب من وهن وغباء، تسمى حوافر، إذ في الحقل إسطبل فيه حمير تتنافس في نيل وشاح الكسل ولقب العقل الأغبى والقلب الأوهن، يحرسها الكلب الأسود، كلب ينبح حين يجوع وينبح إذ لا يشبع، يأكل لحم أخيه بنكهة حقد مشوي بنار الغدر على سيخ خيانة، وينام على حذر النابح ذيلُه يسهر حوله.
قالت نحلة لجارتها: ما بالهم أكثر منا ضخامة، وأشد قوة وجسامة، لكن أثرهم حفر في الأرض، حوافر تدهس كل جميل.
أجابت جارتها وكانت أكبر عمرا بدقيقة: لأن أرواحهم أصغر من قطرة طل بخد زهرة، وأرواحنا علمها الرب وأوحى إلينا أن نتخذ من الجبال بيوتا.
ـ ولماذا يحكمهم ذيل ينبح، ويخافنا ذئب الغاب وسبع الوادي ويهرب منا جبابرة الجبل السرمد؟؟
ـ لأن الروح إذا اصطبغت بالذل اصطبغ القلب بصبغ الخزي ونام العقل بحضن الوهم وتاه الجسم بوحل الرغبات السفلية، حينها يستحكم أصغر ذيل بأضخم جثة، ويغلب أحقرُهم أكثرَهم.
ـ فلماذا نحيا قليلا ونفعل كثيرا حتى تمتلئ الأنهار بعسل الزهر وعذب الأشعار، ويعيشون طويلا لكن لا أثر سوى بعض الوحل على ورق العشب اليابس؟؟
ـ لأن الزمن هو الفعل، ومن لا فعل لزمنه ميْت قبل النفَس الأول، ونسيٌ منسي قبل النفس الأخير.
ـ ولماذا نموت ليحيا البستان، ويعيشون لتنتحر الغابة؟؟
ـ للخالق في الخلق شؤون، البعض يموت لكي يخلد، والآخر يفنى كي يفنى كي يزداد فناء يُفني كل حياة يزرع عقم الحجر برحم الماء، ليكون رميما قبل الموت ومسخا بعده يخلد في قيعان جحيم لا يرحم.
ـ ولماذا نمتص رحيق الزهرة فقط، وننتج عسلا، وتلك الحوافر تأكل الزهرة ذاتا وصفاتا وملامح، لتنتج ذاك الرث البالي؟
ـ عسلنا لمن يفهم كنه الزهرة، لون القدرة، سحر النظرة، سر الريح ومعنى النشوة، أما ذاك.. فعسل الكلب الأسود…
حلب
08/10/2008 12:20 ص