2 دقائق للقراءة
#فن_السعادة_وصفة_بسيطة
ربما يظن المرء أن السعادة وصفة معقدة، لكنها في الحقيقة على غاية البساطة.
لو رأيت البسطاء بعد يوم عمل شاق، كيف يغنّون ويضحكون وهم ينامون تحت سقف السماء، ويأكلون طعاما بسيطا يعدونه على نار أوقدوها في عيدان ووضعوا أثافي من حجارة للقِدر. لو رأيت ذلك لتعلمت درسا عظيما في السعادة بوصفة البساطة الرائعة.
ذلك الطعام البسيط سيكون لذيذا مباركا فيه رغم ما يبدو من بساطته.
وبابتسامة حانية من “دادا عيشة” و”خالتي ربح” و”عمتي سلطانة” يكون للطعام سر آخر.
إنها أنفاس الطيبة والبساطة والحب الغامر.
عندما كبرت وجلت في العالم ورأيت أصحاب القصور وأكلت في الفنادق الفاخرة والمطاعم التي تساوي الوجبة فيها أضعاف ما كنا نكسب من جني الطماطم في حقول بأرض الشمال الشرقي التونسي، لم أجد لذة الطعام الذي أكلته في أيام المعاناة والفقر والبساطة.
ورغم مضي سنين طويلة فلم يفارقني مشهد الضحك والفرح والنكت وحكايات الأجداد وقصص اليوم التي يثريها خيال هذا ويضيف إليه ذاك بعض بهارات التشويق التي قد تبلغ حد الزّعم والتخييل ولكننا نضحك بسعادة رغم يقيننا أن محدثنا لم يعش شيئا مما كان يقصه ولم يلتق الفتاة الآسرة التي وقعت في شباك غرامه بسرعة وعادة ما تكون ابنة صاحب الحقل والبيت الفاخر.
إن الطعام الذي أعدته لنا دادا عيشة مع العمة سلطانة والخالة ربح (رحمهن الله) لم يكن فيه فنيات كبار الطباخين في مطاعم باريس التي تناولت العشاء في أحدها مع صديقي الباريسي الثري على مشارف نهر السان ومقربة من البرج الكبير في الإيليزي المبهرة للزائرين، ولم يكن يحتوي غلال البحر التي راقت لي في ماليزيا.
كان فيه خضر من الحقول، ولكن الكثير من الحب، الكثير من البركة والسر والنفس الطيب.
لا يفوق ذلك إلا الطعام التي كانت تعده لنا أمي في كوخ الطين الذي نشأنا فيه، وبنفس التقنيات البسيطة: أواني الفخار والطين، أثافي القدر (الحجارة التي يوضع عليها فوق النار)، ووصفة بسيطة جدا لا تحتوي لحما أو سمكا، ولا فيها بهارات الهند التي لسعت لساني في مطعم هندوسي للطعام النباتي في جيبور وكنت قادما من أغرا في رحلة جوية رائعة وأخذني سائق تاكسي رافقني وكان يغني طيلة الطريق من جيبور إلى أجمير.
ذلك الطعام البسيط، وتلك المغامرات الساذجة البسيطة التي كان يتحدث عنها بغبطة بسطاء أضناهم العمل طيلة اليوم الشاق وهم ينامون في خيم أو تحت سقف السماء، وتلك النظرات الحانية لأمهاتي وهن يقدمن لي الطعام، وبساطة ذلك الكوخ الدافئ بحنان الأمومة، كل ذلك وصفات سعادة ضيعها الكثير من البشر الذين لم يجدوا في أفضل مطاعم الأرض وأفضل الوصفات وأمهر الطباخين ما وجدتُ في طعام بسيط. ولا هم وجدوا في كل يملكون ما وجد أحد بسطاء الكادحين في قصة حب سريعة ابتكرها خياله وهو ينظر إلى ابنة صاحب الحقل الناعمة الجميلة التي تبتسم شفقة أو إعجابا لشاب بجانبه.
#نصائح: ابحث عن البساطة، وتجنب التعقديات الفارغة. وانفذ إلى جواهر الأشياء.
ابحث عن ذلك النَّفس الطيب الذي يجعل أبسط طعام لذيذا، واجعله نفسا لحياتك كلها.
اترك التكلّف وكن على سجيتك.
هذا من مفاتيح السعادة وباب لفن كبير.
#مازن_الشريف_كتاب_فن_السعادة
*الصورة في أجمير الهند، مع ملوك البساطة