5 دقائق للقراءة
عندما زاره ين ويانغ في أحد مناطق عقله الباطني، تعجبا من طبيعة ذلك العقل المخيف المعقد، ذي التجاويف الكثيرة، والدهاليز العديدة، والفخاخ المحيرة، والألغاز المطلسمة، ونظم الحماية التي لا تحصى.
وقد وجدا ثلاثة عوالم.
العالم الأول بشري طيني، يحوي ذاكرة جنين وطفل وشاب.
وفيه من الأسى والفرح، والنشوة والوجع، والبساطة والتعقيد، ما لم يجدا في أي ذهن آخر حين كانا يستخدمان تلك التقنية الخاصة بهما لاختراق العقول ودخول عوالم الأذهان والأبعاد الخاصة بها مستخدمين التخاطر العميق.
العالم الثاني سفلي، فيه مشاهد لشيطانة قديمة، حياتها وذكرياتها، تمردها بعد أن كانت ملكة من ملكات الجن، ومسخها شيطانة، واللعنة التي حلت بها من الشيطانة الكبرى الحبيسة مع التنين الأسود في السجن الظلامي الممتد أسفل العوالم على مشارف الجحيم.
وكان أن تفطنت لوجودهما في وعيها العميق، فقالت لهما متخاطره: أنتما أيها البشريان الوضيعان تقتحمان عالمي، أما تعلمان أني أم الشياطين، وأني قادرة على اختراقكما وزرع الرغبات السفلى فيكما. ثم تمظهرت فإذا هي كعنكبوت تولكين حين هاجم الهوبيت فرودو باجنز في رائعته سيد الخواتم التي ساهما في نسجها في خياله، وكانا مكلفين ببث الروايات العجائبية في أذهان من تأتيهم أسماؤهم من البشر.
ابتسم ين، ووضع يده المشعة على هيكلها الهلامي، ففزعت من ذلك النور، وعادت إلى تلك المغارة السحيقة من تجاويف الوعي الأدنى.
قال له يانغ: كيف يتحمل ذهنه البشري وجود هذه القوة السفلية الكبيرة، إنها أقوى بكثير من روح اللورد فولدمورت في روايات هاري بوتر.
نظر إليه ين وأجابه بصمت: انبته جيدا يا شقيقي، ولا تنخدع لما يظهر لك من بساطة ذهن طفل ولد في الريف ثم درس في المدينة، ففيه قوة عظيمة تختفي، دقق النظر بعين العزيزة على قلبك هيناتا هيوغا، الباكوغان، وسوف ترى ما أتكلم عنه. وكان يانغ محبا لماساشي كيشيموتو، مبتكر تلك الملحمة التي كانت تحمل شيئا من سر الغريب والوحش الساكن فيه، عبر بث ليوتشيهان ومساعده وتوران، ساهم ين ويانغ فيه بشكل مباشر، خاصة فيما يتعلق بأعين الرؤية والتأثير والقدرات البصرية والاستبصارية للكائنات العليا، الأنوناكي أو الأكاتسوكي، والتي تم وهب وتفعيل بعضها لدى مختارين من البشر، كالشرينغان التي كان يمتلكها لونغ، أو الرينغان التي امتلكها المعلم تايبنغ، أو الرينشارينغان التي كانا يمتلكانها، وحتى عين التينسيغان التي يمتلكها الرخ الأعظم وصاحب القرنين.
عندما استخدم يانغ تلك العين والختمة، بدا له مشهد مرعب، عين كبيرة واسعة، مشعة، مخيفة، تينسيغان تحيط بها دائرة خضراء في هرم أحمر، إنها تلك العين التي أشعت مرة فوق أطلنتس، عين صاحب القرنين، ولكنها لم تكن كعينه تماما، بل مختلفة، كأنها أقوى وأشد، ثم سمعا صوت وحش وأبصرا سجنا عليه ختمة، ثم وجدا قوة تسحب ذهنيهما وتسيطر عليهما، وإذا هما في العالم الثالث، مباشرة أمام الوحش الأعظم، مبيد الحضارات الأول، صاحب القرون السبعة، والذيول التسعين.
من أنتما، قال لهما الوحش الذي بدا شبيها بكبير التنانين، لكن أكبر حجما، تشع عيناه نارا، وله عين ثالثة على جبينه، رينشارينغان قوية يمكنها طي المسافات والعوالم وإفناء الكائنات، وتحويل عوالم الوهم إلى ما يشبه الحقيقة، إنها عين قادرة على تنفيذ التسوكيومي الأبدية، أقوى تقنيات الغينجتسو.
كان تنينا ولم يكن تنينا، وكان ذئبا بأنياب كبيرة، ولم يكن من الذئاب، وكانت ذيوله من محض الطاقة الخالصة القوية، بألوان كثيرة تحمل نوعيات الطاقات التي تحملها، طاقة سوداء كثيفة شبيهة بما في سدم المادة السوداء، وأخرى نارية متأججة كنجم متقد، وطاقات للحياة، وأخرى للموت والإفناء.
كان أحد الذيول قادرا على إحداث عواصف عاتية، وكان الآخر قادرا على إيقاف تلك العواصف كأن لم تكن، وكان ذيل يشع بأشعة نووية، والآخر يصدر طاقة بيضاء نقية.
وكانت قرونه تشع بطاقات كذلك، قرون طويلة يخرج اثنان منها من رأسه كسيفين مشعين مقوسين، ثم يتشعب من كل قرن ثلاثة، ستة قرون تحمل قوى رهيبة تتجاوز قوى صاحب القرنين، وكان قرن ثالث يخرج من الجبين فوق تلك العين الواحدة المرعبة، ككائن من الديناصورات القديمة الكبيرة الفتاكة، ولكن أشد قوة وأعظم شكلا.
لم يتمكن ين ولا يانغ من إيجاد لغة مناسبة لوصف ما شاهداه للمعلم وبقية محاربي التنين، وهو يرتجفان من الرعب والحمى بعد أن انتقلا ذهنيا إلى عقل الغريب الباطني، وكان الوحش ينظر إليهما بغضب ويقول: كيف لكائنين من الفانين اقتحام عالمي ودخول خلوتي وسجني.
ثم فتح فمه وتشكلت كرة من طاقة متعددة الألوان، وأشعت القرون والذيول في نسيج طاقي عظيم، وبدا للوحش جناحين كبيرين يصدران ريحا عاتية، أحدهما جناح أبيض والثاني أسود، ثم ظهرت خلف تلك الأجنحة أجنحة أخرى لها ألوان وطاقات، آلاف الأجنحة تتراص خلف بعضها في نسق مذهل، وتشكل الوحش بهيأة أكبر ثم أكبر ثم أكبر حتى لم يعد بإمكانهما رؤية حجمه بل رأى كل منهما قطعة صغيرة من مخلب قدمه، وإذا صيحته تزلزل، وإذا تحت أقدامهما جبل عال تحته بحر أمواجه ترتفع، وفوقهما غيم كبير، يلف ويدور في أفق عال فوقه ستار يصدر شعاعا، وحولهم الماء، وكائنات أخرى عظيمة عجيبة، ثم خرج من الوحش جيش من المخلوقات، نمور وذئاب وأفاعي ونسور، أرواح لها أشكال عديدة، آليون ومحاربون، آلاف الآلاف من النماذج والتشكلات.
وصاح بهما صيحة لم يسمعا أشد منها: تكلما الآن قبل أن أفنيكما.
فجأة انتبه ين ويانغ إلى يد حانية توضع فوق كتف كل واحد منهما، فالتفتا في جزع فإذا وجه وضاء يبتسم، أيقظهما من ذلك الغينجتسو المرعب، ثم قال بصوت هادئ: إنهما تلميذاي يا شقيقي، فاهدأ فأنت ما تزال في سجنك داخل بعد من أبعاد الكائن الذي قتلت نفسك لتحل فيه حتى تتحد به حين يكتمل.
تشكل الوحش بسرعة فإذا هو توأم مطابق للرجل الواقف خلفهما، ابتسم لهما وقال: السجن والموت قبله أثرا علي كثيرا وصرت سريع غضب، معذرة يا ولدي، أحرر ذهنيكما الآن.
قال المعلم تايبنغ وهو يربت على شعرهما، وونغ تشون تبكي وتمسح عن جبينهما العرق: لقد أنقذكما المعلم الأخضر.
إن ما رأيتماه هو التشكل الأكبر للوحش الأعظم، وهو كما عرفتما أقوى بكثير من صاحب القرنين، وأقدم منه، يمكنكما القول أن صاحب القرنين نسخة من الروح الأعظم، وكذلك المعلم الأخضر نسخة أخرى منه، فقد كان قبلهما بأزمنة، لكنهم توائم بلا ريب.
وأما تلك الكائنات في الأفق العالي فالحمَلة، وأما ما خرج من الوحش فتشكلاته، كائنات مودعة فيه، لكل كائن وجود متصل، وإيجاد منفصل. ثم تم الدمج، لتسمى تلك بالكائنات المدمجة، نوع من الصنع العظيم للقدير، كإدماج النمر في القائد بيهاردن ليتمكن من التشكل نمرا، أو الأفعى في الفاضل كونيسترا، أو الرخ لدى الرخ الأعظم.
وتلك العيون قوى وقدرات، مثل عين القطر، فهي عين من الأعين لا مما نبع من عيون الأرض، عين لها قوى وقدرات، وتفعيلات ومستويات، وكلها يمتلكها الوحش الأعظم ومنه تم وهب من وُهب من كائنات العوالم، وسوف يهبها للغريب حين يكتمل، ويعطيه كل قواه، ويكونانا واحدا، لأن ما لم تتمكنا من رؤيته هو كائن سجين في أعماق ذلك الوحش، كائن مكنني المعلم الأخضر من رؤيته ليلة ولادة الغريب، كائن من نور، ملك كريم، إنه جوهر الغريب الإنسان، جوهر أقوى وأقدم من الوحش نفسه، وليس الوحش سوى تشكل له.
شعر فودجا بالدوار، وأصر لونغ على رؤية ما رآه ين ويانغ، وحين نظر قليلا فزع واهتز قلبه، ليس جبنا بل لأن تلك الطاقة تبث فزعا لا يمكن مقاومته. أما تشو وتشي فقد عكفا يعالجان أخويهما من أثر تلك الصدمة التي دامت أياما، وفهم تشي أن عليه أن يدرس الغريب أكثر، وأدرك تشو أنه أمام تحفة فنية عجيبة لم يسبق للوجود أن شهد مثلها، فكتب الكثير ورسم الكثير، وتلهف لليوم الموعود.
تايبنغ لم ينم تلك الليلة، وهو يحاول أن يتصور كيف يمكن لبشري من طين أن يحمل كل ذلك، ما هذه القوة المذهلة على التحمل، وما هذا الإعجاز العظيم للقدير.
سمع التنين الأبيض الكبير يناديه، خرج وكانت السفينة الضوئية في انتظاره.
لا بد أن يجلس مع مجمع رجال الوقت، لأن وقتا من المواقيت حان، ليدرك الغريب عن نفسه أمورا جديدة، لم يسبق أن وعى بها.