3 دقائق للقراءة
عاش اليهود بسلام في البلاد التونسية، ولا يمكن لأحد أن ينكر حقهم في المواطنة، ولا لأحد أن ينفي الوئام الاجتماعي بين اليهود والمسلمين في أرض إفريقية لقرون طويلة، بل إن أحد أعلام تونس وصالحيها إن لم يكن أهم أوليائها (الشيخ محرز بن خلف) قد آوى اليهود إلى حاضرة العاصمة وحماهم في فترة فتن وحروب.
وشخصيا لدي أصدقاء يهود، من بينهم علماء كبار التقيتهم خلال أسفاري في أصقاع الأرض ضمن بعض الندوات أو مجرد مصادفة.
كل هذا مبدئي لا يناقضه إلا عنصري متعصب. والأمر يشمل المسيحيين ويعم كل أهل الديانات وكل البشر: علينا أن نكون على وفاق وسلام ما دمنا نتقاسم نفس الكوكب ونفس المصير البشري والأصل الآدمي.
وحج الغريبة موسم ديني يهودي، لا نريد الخوض في أصله وتاريخه وحقيقته من عدمها، فقط نحترم ذلك وهو من حق معتنقي الديانة اليهودية.
لكن….
حين يتحول إلى أهم حدث ديني وثقافي واقتصادي وتنموي في البلاد التونسية.
حين يكون حجا للحكومة وزعماء الاحزاب السياسية الحاكمة، وسفراء عدد كبير من دول العالم، وجحافل من البشر.
بل حين يكون بابا متسعا لدخول ألفي صهيوني يهتفون باسم دولة الاحتلال تحت حماية مشددة.
حينها يكون للأمر معان أخرى لا علاقة لها بالدين اليهودي وبيهود تونس الذين لا ننكر لهم حقا.
فالفرق بين اليهودية والصهيونية هو كالفرق بين الوهابية التكفيرية والاسلام. والعلاقة بين الصهيونية المتطرفة والوهابية التكفيرية التفجيرية علاقة وطيدة في الأصول والفروع والتخطيط والاستراتيجيا والغايات، وأياديهم متشابكة في مشروع تدمير العالم عامة والعالم العربي الاسلامي خاصة، وأياديهم تقطر دما من فلسطين إلى الشام والعراق ومصر وليبيا إلى تونس التي دفعت الكثير من شهداء المؤسستين الأمنية والعسكرية ومن المواطنين. بل ويمتد ذلك إلى أرجاء الارض من نيوزيلاندا إلى سيرلانكا وبورما، ومن أوروبا إلى بقية دول العالم حيث يضرب الارهاب الصهيوني المتطرف خلف أقنعته ومسمياته الكثيرة.
الصهيونية منظمة إرهابية ضربت اليهودية في عمقها: اقرأ عن موقف علماء التوراة المنصفين من هرتسل وكيف اغتالهم جميعا، أو شاهد التيارات اليهودية المعادية للصهيونية ومواقفهم وكلامهم لتفهم الفرق.
الصهيونية خلايا عالمية مخربة دعمتها التنظيمات الشيطانية كلها: من فرسان الهيكل والماسونية إلى جميع الخلايا المسرطنة بالتطرف مهما كان الدين الذي تدعيه.
إن جرائم الهاغانا في أرض فلسطين (مجازر دير ياسين وحرب الإبادة والتهجير سنة 1948) ومجازر صبرا وشاتيلا في لبنان، وصولا إلى ما حدث بيت المقدس وفي غزة وما يحدث إلى الآن من جرائم قتل بارد للأطفال والنساء والشيوخ وتعذيب واستيطان تنافي أبسط مبادئ حقوق الانسان وتخالف كل شرائع السماء، تثبت أن الصهيونية حركة متعصبة متعطشة للدماء، وأن الاحتلال الغاصب مجرم ارهابي، وأن دولة الصهاينة دولة مغتصبة للأرض هاتكة للعرض مانعة للفرض قاتلة للأبرياء متورطة في جميع الحركات الارهابية في العالم.
وإنه لمن السخرية المرة أن يهتف الصهاينة في تونس: تحيا اسرائيل، تحيا تونس.
في تونس التي كانت مهد الزيتونة وأرض الصالحين والمجاهدين والمقاومين.
تونس التي لم تتخل عن القضية الفلسطينية.
تونس التي امتزج فيها دم الشهيد الفلسطيني بدم الشهيد التونسي.
تونس بلاد الشعب العاشق لفسلطين، والذي لم ينس القضية.
ثم عن أي حج يتكلمون وبأي حجة يتهارعون ويركضون؟
باسم التنمية لبلاد خربوها بأيديهم؟
باسم السياحة لبلاد جلبوا لها الارهاب بالحمق حينا وبالخيانة أحيانا، فقتل السياح ودمر السياحة، وفتحوها بعد الثورة (المزعومة) لأهل التكفير والتفجير، وخربوا مؤسساتها، وأفقروا شعبها، حتى صار البؤس يحاصر ملايين من التونسيين ويخنق مدنا منسية مهمشة زادوها تهميشا ونسيانا.
باسم الحرية الدينية: وأية علاقة بين الصهيونية والدين؟ لا أحد يمنع يهود تونس من ممارسة شعائرهم، أما الصهيونية والهتاف باسم دولة الاحتلال ودخول الصهاينة بجوازات سفر اسرائيلية، فمسألة أخرى تماما.
إن فلسطين ليست مجرد قضية محدودة بشعب فلسطين، بل هي قضية كل حر في بني الانسان، لأنها قضية انسانية، مسألة وعي وضمير، مسألة تتعلق بالحق والعدالة قبل كل شيء، فكيف وأهل فلسطين إخوة لأهل تونس أصلا ودينا ولغة وتاريخا وواقعا ومستقبلا.
أعلم أن شعبنا اليوم ممزق مشوش: فساد ينخر المجتمع، تناحر ايديولوجي، دولة مهشمة، حكومات فاشلة، خيانات بالجملة، تلاعب عقلي نفسي اعلامي، اجرام ومافيا وارهاب وشذوذ.
كل هذا معلوم، لكن حين يصل الامر الى ما وصل إليه، فعلى البلاد واهلها السلام.
إنه نذير خراب قريب، إلا أن تتحرك نخوة الرجال والعزة في دماء الحرائر. فماذا ننتظر ؟
سوسة
15/06/2019