3 دقائق للقراءة
وهكذا كان!
اثنان وأربعون عاما مرُّوا!
وبين رؤيا أبي في العراق قبل أن أولد لرضيع يحمله بين يديه فإذا هو بشنب الكبار، ورؤيا أمي بعد أربعين عام وهي بجوار بيت الله الحرام لجمع كبير أمشي فيه وهي تهتف: هذا ولدي، كانت ملحمة التحقق.
بين كوخ الطين في ذلك الريف الوديع، ومدرسة سورها من الشوك، وقصيدة المتنبي التي حفظها ابن الثمانية أعوام، إلى سنوات الصبر والتدريب والحب الواهم والشعر الحالم والجري كلحظة فرح في وادي “الشيخ”.
كان هنالك الكثير: حب الوالدين ومحبة الأعمام والاخوال، وعطف الأشقاء والشقيقات وهم ينادون أخاهم الأكبر: يا سيدي. وإعجاب زملاء الدرس وبراعة اليافع في حركات الكونغ فو، ومواضيع الإنشاء التي كانت الأستاذة تقرؤها على التلاميذ، كانت قصص كثيرة تداول فيها الأدوار ملائكة وشياطين.
ذات ليلة قدر كان!
وهكذا كان!
الجامعة وحكاياتها، الأصدقاء الرائعون، رحلة الاكتشاف، طلاسم الرؤى القديمة، ألغاز الروح، لواعج القلب ونهم العقل للمعرفة، شاطئ البحر وحركات بهلوان فنون دفاع وفنون كتابة.
وتأتي المحنة بعد وعد المنحة، ويجف الغصن المونع، ويرفع الصبر رايته، ويبلغ الجهد غايته.
سيكون لذلك الدمع المقدس في المقل التي تحبها وتحبك أثر كأثر الموج على نحت الصخور.
وستراك الشوارع شريدا، وتراك الجبال عنيدا، ويراك البحر فريدا، وتراك السماء قديما وتراك الارض جديدا.
عندما تغرق وتتحطم السفن، تنظر من أسفل اللجة إلى عين الموت، لكن يد اللطف تنتشلك بعد أشهر الغرق في شعاب “معان”، حيث تدرك للمعنى معانٍ لم تكن تعرفها.
وهنالك ينبثق في صدرك صوت أخضر.
لقد كان الشهم من ذرية إسماعيل وابنه جناحي رحمة، وكنت تطلب من عين السماء نظرة تأخذك إلى أعلى، لكن النظرة أخذتك نحو الأفق.
في تلك الرحلة تغمض عينيك، وترحل إلى أرض أتى منها جدك الحاج محمد، وتقول للسائق “عامر”: أنا أريد أن أزور جدي عبد السلام.
فيصر على إيصالك رغم كل شيء، ويمد جليسك “محمد علي” يده ليعطيك مالا لم تكن تملكه لتعبر الحدود.
في خبر الرحلة أعوام بين دول ومدن وقرى، وسوف تجد آثار الصالحين في كل خطوة، وبركاتهم في كل مكان.
ستكتب البرهان في “مربوعة” عبد الدايم، ويأتيك البحر في نظرة هشام، ويأخذك السيد فتحي إلى قنصل أرض الكنانة، ويستقبلك الحاج علي المهدي في منزله في المهندسين، وتلتقي الهرم فتعرف نفسك أكثر، ويستضيفك حسين في حلب، ويأخذك الكردي لكراء منزل من صديقه الأرمني ويستضيفك التركماني في منبج حيث تزور قطبها عقبل، وتمرض فيسهر على علاجك زكريا، وتسكن عند الشيخ عيسى في الرقة، ويطربك نسيم الفرات مع المختار، ويأتيك المغرب بكل بديع، حين يجدك ربيع الذي أراد ان يجد معلمك.
وبين هذا وذاك آلاف البشر، مئات القصص، لقاءات العلماء ومجالس المشايخ واجتماعات المسؤولين وجلسات الطرب وليالي الشعر في صومعة عماد بدمشق الرائعة.
كثيرون كانوا معك، وكثيرون أرادوا تحطيمك، وكثر من تحيروا في “الخلطة” التي كوّنت شخصية متعددة الابعاد على تعبير صديقك كاسر.
سترجع شامخا لتضمك أحضان الأهل، وقد تغيّر شكلك، ومات قديم وبُعث جديد .
وسوف يبدأ الظهور، وترى ثمار آلاف الساعات من الكتابة والمطالعة والتدريب والسفر والعناء والدعاء والذكر والبكاء والصبر والانتظار.
وقريبا تعرفك الطائرات، ومنابر العلم والإعلام، وندوات عبر العالم، وسيكون لك مقالات بلغات اهل الأرض، هذا صحفي امريكي وذاك ياباني، ومواقع كثيرة وصفحات عديدة فيها من شعرك ونثرك ومعرفتك بفنون الاستراتيجيا وأذواق الدين.
وسيورق قلبك ويكون لك مأوى وولدان أردت باسميهما بدرا الثانية: علي وحمزة.
وسيُعطيك الذي ناديته في جوف الحوت أن لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين.
ويزيدك، ويرفع ذكرك.
وسيكون للأخضر في عقلك مجال وفي قلبك نثيث.
ستطوف الهند مع سَلمان، لتكون البشارة جشتية بزيارة جدك المصطفى كما كان الوعد حين تبلغ الأربعين، وسوف يطير بك نبيل، ويجول معك محمدان: غدامسي وحجازي.
في خط اللحظة، وفي خطة ما بعدها مزيد.
وثمة ألف مقال وألف قصيد.
و رغم أن العالم في بلاء، فإنك تأوي إلى ركن شديد.
وغدا أو بعد غد سيكتمل بناء الهرم. وينصهر في القديم الجديد.
وسيبدي ما شاء الذي يبدئ ويُعيد.
وأنت تضع خدك على التراب لأحمد وآله.
وتسبّح لذي العرش المجيد.
أقول لك يا رفيقي لقد أتعبتني، ولاح المدى من بعيد.
لكنه عامك الثاني والاربعين.
فعيد ميلاد سعيد.
#Happy_birthday 🌹🥰💐