4 دقائق للقراءة
وما زال الأزهر الشريف يُذهل الدنيا، برجاله، وعلمائه، ومواقفه.
وما زال خيمة جامعة تجمع شتات الأمة، وتسعى لرتق جرحها الغائر، وشحذ عزمها الخائر، وإرشاد قلبها الحائر.
وما زالت الكنانة تذخر بالمدد، وتتجلى منها أنفاس الطهر الزينبي، ونفحات السر النفيس من نفيسة العلم والعلماء، تحت جناح حسيني كبير يسع العوالم كلها.
وبعد أن استبشرنا بالصلاة على الحبيب الأعظم عقب كل صلاة جمعة، ولهج بذلك أهل مصر من القاهرة إلى الصعيد، ها نحن نرى الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الشريف الحسيب، الشيخ الدكتور أحمد الطيب، حفظه الله تعالى، يسارع في الخير، ويقدم الخطاب تلو الخطاب، والموقف بعد الموقف، داعيا لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة.
ولقد سعدنا بخبر لقاءه بالسيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة الوطني العراقي، وهو رجل ذو سماحة وأخلاق عالية، وكنت التقيته من قبل، وسمعت منه كلام العقلاء، ورأيت لديه منطق الحكماء.
هذا اللقاء المبارك كانت فيه كلمات على غاية الأهمية، وتعبِّر عن رؤيتنا التي سعينا لنشرها في أصقاع العالم الإسلامي لسنوات طويلة، مع أشقائنا في هذا الطريق التوعوي الإصلاحي الشاق.
فقد قال شيخ الأزهر العلامة أحمد الطيب لضيفه الكريم، وفق ما تم نشره على الصفحة الرسمية، وبعد ثنائه على العلاقة الكبيرة التي ربطت الأزهر الشريف بالنجف الأشرف، “وما تمخَّضت عنه هذه العلاقة من نِتاجٍ فكريٍّ وحراكٍ ثقافي أثرى المكتبة الإسلامية، مشيرًا إلى أن مجلة “رسالة الإسلام” كانت تُعَدُّ في السابق ذروةَ التعاون بين الأزهر والنجف؛ لما قدَّمته من زخم ثقافي وإطار معرفي في مختلف العلوم الإسلامية، وطُرِحَت فيها كافة القضايا في مجالات الفلسفة والفقه والشريعة والقانون، وعلاقة السنة والشيعة في إطار الاحترام والتعاون وتكامل العلوم.”، قال: “أولى بنا أن نتَّحد لمواجهة التحديات المعاصرة وأجندات نشر موجات الإلحاد والشذوذ الجنسي والأمراض المجتمعيَّة والسلوكيَّات المنحرفة، وحملات التغريب، وإقصاء الدين والأخلاق، ومحاولة فرض هذا الواقع على شباب وبنات أمتنا الإسلامية” .
وقال السيد عمار الحكيم ردا على ذلك: “الأيادي ممدودة والقلوب مفتوحة، ولكم محبة خاصة في قلوبنا، ويتجدَّد الودُّ بتجدد اللقاء بيننا، هذه اللقاءات التي ننتظرها بشغفٍ كبيرٍ، فللأزهر الشريف رمزية كبيرة في العالم الإسلامي، ونعتزُّ بعلاقة علماء الأزهر بعلماء النجف، التي مثَّلَت علاقة احترام واعتدال تاريخي، وكان الاعتدال هو أساس العلاقة بين مدارس الفكر الإسلامي والمسلمين على مر العصور، أمَّا التطرف والتشدد فهو الاستثناء ويمثل خروجًا عن القاعدة الأصلية والأصيلة. ”
وهذا لعمري جوهر ما تكلمنا وكتبنا وحاضرنا عنه لسنوات، وتزداد الحاجة إلى تحقيقه وتطبيقه كل يوم أكثر، مع ازدياد التحديات التي لا تقف عند حدود نشر الفكر المتطرف الذي يروم التمزيق والتفريق، ويقوم على التكفير والتفجير، ويقتل نزعة التفكير، بل تمضي إلى آلة عالمية قوية تغسل الأدمغة وتسلب العقول وتمسخ الذوات، وتُحوِّل من تمكنت منه إلى ملحد أو شاذ أو عدمي، أو تضطره للانتحار، وتركز على الطفولة والشباب بشكل خاص، وتصب حقدها وشرها على أبناء الأمة الإسلامية بشكل مركز ومكثف.
أما العلاقة بين الأزهر الشريف والنجف الأشرف، وبين مصر والعراق، فأواصر عظيمة وعلاقة قديمة.
ويكفي أن للإمام الحسين جناحين: جناح فيه ما فيه من حزن الطف ووجع كربلاء، وجناح فيه ما فيه من أنس القاهرة وبسط الحال المصري.
وهذا لقاء نرجو أن يتم البناء عليه، وأن نرى لقاء يجمع بين أقطاب الأمة وأعلامها، وأن نكمل المسيرة مع شيخ الأزهر وعلماء الأزهر، ومع علماء العراق وأهل السماحة فيه من أبناء المدرستين، ومن أهل التصوف والعرفان خاصة، ومع علماء وأبدال الشام، ورجال المغرب وجامع القرويين وسر فاس وصلحائها، ورجال الجزائر الأعلام، وعمداء المدرسة الحضرمية، وبقية عبق الزيتونة والقيروان، وما في الأمة من أهل تقوى وصلاح من الحجاز إلى بلاد الملايو.
وإن الملتقى العالمي للتصوف العرفاني الذي كان في بغداد منذ أشهر قليلة، كان خطوة عظيمة في المسار الصحيح، مسار جمع الصف وتوحيد الكلمة ورتق الصدع.
وقد حضره علماء من أكثر من ثلاثين دولة، وكان النسيج الديني العراقي حاضرا بأكمله، سنة وشيعة، مع الحضور الرسمي للرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ورئاسة القضاء.
لذلك نرجو أن نرى لقاء قريبا بين رئيس الملتقى السيد أبو صالح الآلوسي شيخ الطريقة القادرية الآلوسية، والإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، سواء في العراق، إن يسر الله زيارة شيخ الأزهر الشريف، أو في مصر الكنانة، ليكون ذلك خطوة متقدمة أخرى في المسار الصحيح، والذي يدعمه ما جرى في مؤتمر جدة من إعادة لمِّ شمل الأمة على الصعيدين السياسي والرسمي، وما يصاحبه من رغبة شعبية عربية وإسلامية في التقارب والتحاور والتعاون والتآخي، بعد ما فعله الفكر الطائفي المتطرف، وما اقترفه من جرائم إرهابية ومن هدم للزوايا وقتل للمؤمنين والآمنين بغير حق.
وإننا نرى لقاء الثلة المباركة سنة وشيعة وإباضية على بساط السماحة والمحبة، بسر المدد المحمدي، أمرا واجب التحقق، لما نستشعره ونوقن به، مما سيثبته قادم الحدثان، وسيقوم على الدليل والبرهان.
ولأجل ذلك نبارك سعي من يسعى من العلماء الأعلام والمشايخ الكرام، لما فيه رضوان الله، وما به تقر عين رسول الله، جمعا للكلمة، وتقديما للنصح والرأي السديد.
وأشهد لخاصة من إخوتي بالسبق في هذا، وأخص بالذكر أخي الشيخ الدكتور أحمد شحاتة الأزهري، الذي يقوم بعمل كبير في مصر والعالم، وكذلك أخي الشيخ الدكتور محمد النوري صاحب الهمة العالية والعزم القوي، وهو يشد عضد الرجل الصالح، والهمام المقدام، السيد أبو صالح الآلوسي، ومن معه من رجال الرباط المحمدي بالعراق.
وقد سرنا معهم على هذا الدرب حين كان المسير عسيرا، ونستمر عليه وقد تيسرت سبله، واندحر أعداؤه، وارتفعت الراية خفاقة، على المحمدية البيضاء، وبان للمنارة نورها، الذي يهدي التائهين.