15 دقائق للقراءة
شهدت مصر منذ يومين تفجيرين في كنيستين للأقباط، مثلا صدمة للمجتمع المصري وخاصة الأقباط منهم، رغم أنه تفجيرين آخرين حدثا قبلهما بفترة، وجاء في نص الخبر: ” قتل 44 شخصا على الأقل وأصيب نحو 126 آخرين بجروح جراء تفجيرين ضربا، اليوم الأحد، كنيستين للأقباط في مدينتي طنطا والإسكندرية المصريتين.
“داعش” يعلن اسمي منفذي التفجيرين بمصر ويتوعد بشن هجمات جديدة
التفجير الأول، الذي نجم عن “جسم غريب” وصف لاحقا بالقنبلة، هز كنيسة مارجرجس بشارع النحاس في طنطا بمحافظة الغربية بدلتا النيل، على بعد 120 كيلومترا شمال القاهرة، أودى، في الحصيلة الرسمية الأخيرة التي أكدتها وزارة الصحة والسكان المصرية، بحياة 27 شخصا وأسفر عن وإصابة 78 آخرين.
أما التفجير الثاني، فضرب محيط الكنيسة المرقسية في قسم العطارين بالإسكندرية، مما أدى، حسب الوزارة، إلى مقتل 17 مواطنا، وإصابة 48 آخرين حتى الآن، فيما أعلنت وزارة الداخلية أن القتلى من بينهم 4 ضباط في الشرطة.” (من موقع قناة روسيا اليوم).
وسبق ذلك تفجير الكنسية البطرسية في ديسمبر 2016 ما نصه من موقع ويكيبيديا ” تفجير كاتدرائية القديس مرقس بالقاهرة وقع يوم الأحد 11 ديسمبر 2016، قُتل على إثره 29 شخصاً وأصيب 31 آخرون في الكاتدرائية المرقسية في العباسية بمدينة القاهرة، بسبب عبوة ناسفة تزن 12 كيلوغراما.[2][3][4] تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تفجير هذه الكنيسة. تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن التفجير، وقال التنظيم أن التفجير تم بحزام ناسف ارتداه أبو عبدالله المصري. منفذ العملية شاب مصري يدعى محمود شفيق محمد مصطفى ويكنى يأبو دجانة الكنانى يبلغ من العمر 22 سنة.”
وككل مرة يكون شباب يافعون وقودا للمأساة التي يقتلون فيها أبناء أوطانهم، ويتوغل السم أكثر في جسد الأمة وجسد العالم، وكما بينت منذ سنوات في مقالات كثيرة: ” من عبث بأمن الشام فقد عبث بأمن العالم”، فإن العالم كله وخاصة العربي منه في خطر كبير ومستمر ويزداد وتيرة واطرادا وعنفا.
تفجير الكنائس المصرية يتطلب تحليلا معمقا وتفصيلا في جوانب شتى، وضمن الدمج بين تخصصي في الفكر الاسلامي وتخصصي في الفكر الاستراتيجي، سأحاول فيما سيأتي التفكيك والتحليل من منظورين، الأول منظور إسلامي يدحض بالبراهين حجج التكفيريين في إباحة قتل أهل الديانات جميعا وخاصة المسيحيين منهم وتفجير كنائسهم، اما المنظور الثاني فاستراتيجي مشهدي أبيّن فيه منابع هذا الإجرام فكرا وممارسة، وأوجها اخرى له تفضي إلى كائن الارهاب وجذوره العميقة في الشر البشري منذ قابيل إلى اليوم.
******
تفجير الكنائس في مصر: هل هذه وصية الرسول؟
******
خصص الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلّم بمقامات كثيرة وخصال عديدة، وجعل تاج مهمته الرحمة وجوهرها النور والسلام، فهو المبعوث بالهدي الذي ” يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)” (المائدة)
وقد كان صلى الله عليه وسلم رحيما محبا، وبينه وبين أهل الكتاب مواقف ومشاهد، وقد أرسل بعد صلح الحديبة إلى المقوقس عظيم القبط، ضمن رسائله إلى كسرى وقيصر والنجاشي، وكان من الخبر ما تجده في كتب السيرة، فقد ورد في السيرة الحلبية: ” بعث رسول الله حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، أي فإنه عند منصرفه من الحديبية، قال: أيها الناس، أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله، فوثب إليه حاطب ، وقال، أنا يا رسول الله، قال: بارك الله فيك يا حاطب، قال حاطب : فأخذت الكتاب وودّعته، وسرت إلى منزلي، وشددت على راحلتي، وودعت أهلي وسرت.
والمقوقس لقب، وهو لغة: المطول للبناء، واسمه جريج بن مينا. وبعث معه كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتّين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط» أي الذين هم رعاياك، و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} وختم الكتاب، وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية(…….) فقال: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضالّ ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوّة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى، وأخذ كتاب النبي وجعله في حق عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له.
ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية، فكتب إلى النبي: «بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك. أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك»، أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب «وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم» أي وهما مارية وسيرين «وبثياب: أي وهي عشرون ثوبا من قباطي مصر» قال بعضهم: وبقيت تلك الثياب حتى كفن في بعضها.
وفي كلام هذا البعض: وأرسل له عمائم وقباطي وطيبا وعودا وندا ومسكا مع ألف مثقال من الذهب ومع قدح من قوارير، فكان يشرب فيه، أي لأنه سأل حاطبا فقال: أي طعام أحب إلى صاحبكم؟ قال: الدباء: يعني القرع، ثم قال له: في أي شيء يشرب؟ قال: في قعب من خشب، ثم قال «وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك»”.
ومارية صارت أما للمؤمنين وزوجة لسيد المرسلين ووالدة لابنه إبراهيم الذي توفاه الله رضيعا لم يبلغ العامين، وكانت لها في قلب رسول الله ما لها من مكانة، بل اتفق المفسرون أن الله أنزل صدر سورة التحريم بسببها.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال موصيا: ” “قال رسول الله :”انكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً”، أو ذمة وصهراً”. وفي رواية: “استوصوا بأهل مصر خيراً، فإن لهم نسباً وصهراً”. والنسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام، والصهر من جهة مارية القبطية رضي الله عنها. (رواه مسلم).
وقد كان ذلك كذلك، فإن الخلفاء ومن حكموا مصر جميعا من المسلمين كانوا يكرمون الأقباط ويحبونهم ويحفظون كنائسهم ويحافظون عليها، ثم إن أهل مصر أبناء الوطن الواحد كانوا في أخوة الوطن والانسانية بين المسلمين والأقباط، فلم يكدّر صفو ذلك شيء، ومن الأقباط أدباء كبار ومفكرون ومناضلون كثر. ولهم قيمة في الثقافة والبناء الحضاري.
وإن هذا الكلام شامل في علاقة أهل الإسلام بأهل الديانات الأخرى، مسيحيين ويهود، بل إن الذي يدرس التاريخ الهندي أو يزور الهند إلى اليوم سوف يذهل حين يرى ما يراه من إجلال وحب الهندوس لأهل الله في تلك البلاد، وتبرّكهم بمقاماتهم كمقام العارف بالله سيدي معيد الجشتي أو الشيشتي ولي الله في أرض الهند الذي أسلم على يديه وأيدي مريديه الملايين، وكانت صلتهم بأهل الديانات الأخرى من هندوس وبراهما وسواهم صلات احترام ومحبة لم يعكر صفوها المتطرفون من هناك وهناك رغم كل ما حدث من مؤامرات وفتن.
فأين وصية رسول الله وسيرة الخلفاء من بعده مع أهل مصر؟
وأين الاحسان إلى أهلها والبر بهم لما لهم من وشائج وصلات، سيما الأقباط منهم؟
إن النظر إلى هذا الأمر بعين الشريعة والديانة وأطرها، يفضي إلى أن من فعل ذلك إنما عصا الله ورسوله وخالف أمره، فكل مدّع للاسلام وهو يشجّع على مثل تلك الجريمة النكراء إنما هو كذاب أشر، فاسق فاجر مجرم، وهذا واجب على علماء الامة المنوّرين كلهم أن لا يتوانوا عنه تبيانا وتفسيرا ودحضا لحجج المبطلين وكلام الأفاقين والمجرمين.
إن الله تعالى أمر رسوله بالرحمة والاحسان، وخصص دعوته وحصرها في مهمة عظيمة كريمة فقال عز من قائل في الآية 107 من سورة الأنبياء: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، وكنت شرحت في درس لي في جامع باريس الكبير قبل صلاة الجمعة رحابة وشساعة هذا الحصر المقدس في المهمة الشريفة للبعثة المحمدية، وقد بين صلى الله عليه وعلى آله وسلم حقيقة ذلك وجوهر معناه حين هتف في الناس: “يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة”.
فكيف ينوب عن الرحمة المهداة من لا يرحم؟
وكيف ينوب عن المبعوث رحمة للعالمين من كان نقمة على العالمين.
وخصّ الله سبحانه أهل الكتاب بآيات كثيرة، منها ما كان تبيانا لأمانة الأمناء فيهم: “وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (75) آل عمران.
ثم خص النصارى منهم على اليهود وبين ما فيهم من رحمة وعطف فقال: ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)” (المائدة).
فكيف يصبح قتل الآمنين من أهل الكتاب، والطيبين من النصارى وأتباع السيد المسيح زلفى للتقرب من الله تعالى؟
وإن الله جل وعلى أمر ببرهم والإحسان إليهم وإلى جميع الناس مهما كانت مللهم ودياناتهم وطوائفهم في قرآن يتلى إلى أبد الآبدين فقال: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)” (الممتحنة).
وإن السلام جوهر في الإسلامي وجوهري فيه، وهذا سنخصص له الدروس والمقالات بعون الله، ويكفي أن يقرأ المتدبر قوله سبحانه وتعالى: “قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ (16)” (المائدة)
فأي سبل سلام يبتغي من لا يرون الإسلام إلا حرب على كل شيء ولأجل لا شيء. حتى لا يبقى (لو قدروا) على ظهر الأرض شيء.
*****
تفجير الكنائس في مصر: الحرب وأبعادها
******
حين ننظر إلى الأمر بعين العلوم الاستراتيجية وتقاطعاتها المختلفة، فإننا نرى في الأمر ما فيه وخلفه ما خلفه. وهو ما أسعى لتوضيح مشهدي منه فيما سيأتي بيانه:
إن مشهد تفجير الكنيستين لا ينفصل عن مشهد تدمير متحف البصرة وتفجير مدينة نمرود، ولكي يتم فهم المشهد كاملا لابد من النظر إلى مشهدين:
*الأول حين تم العثور سنة 2003 على بيت السيدة خديجة رضي الله عنها، منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ولدت الزهراء وأخواتها واخوتها وحيث تربى الامام علي عليهم السلام،
وحيث ناجى رسول الله ربه ونزل عليه القرآن مدثرا مزّملا، ويشهد العالم الذي قام بهذا الاكتشاف في تسجيل مصور موجود يمكن الاطلاع عليه أن الجرافات أسرعت إلى المكان (لأنه مكان شرك في الضلالة الوهابية) وتم جرفه وتحويله في النهاية إلى مكان خلاء (حمام عمومي)، فهل بعد هذا زيغ وفجور، ولن أطيل في سرد ما فعله ابن عبد الوهاب بنفسه من تدمير كل آثار الصحابة والآثار النبوية ومقام حمزة والعباس رضي الله عنهما وقبور البقيع وسواها وتتبعوا كل شيء في مكة والمدينة منذ تلك الساعة إلى اليوم تدميرا ونسفا بحجة التوسعة وبحجة الدفاع عن التوحي النقي وخوف الشرك وغيرها، فتجاوزت الآثار المطموسة والمدمرة الأربع مائة أثر، ولولا أن نجت بعضها في آخر رحلة للقطار الذي كان يربط بين الآستانة والمدينة آخر الدولة العثمانية ووضع في متحف توب كابي أو جهد رجال لله من أهل المدينة وآخرين في أمصار أخرى لما نجا من آثار النبوة شيء.
*والمشهد الثاني في نفس العام أي سنة 2003 لحظة سقوط بغداد العظيمة، وأستشهد بمقال وردني اليوم من صديقي الصحفي والمناضل العراقي البطل منتظر الزيدي صاحب الموقف الشهير مع جورج بوش، المقال مهم ويحمل عنوان: (الدور الاسرائيلي في احتلال العراق ونبوءة التلموذ)، يقول فيه: “مع بدء الحرب على العراق، قدّمت المذيعة (الإسرائيلية) ميكي حايموفيتش برنامجاً على التلفزيون الإسرائيلي والذي تبدّى هو الغبطة والانتشاء الذي رافق هذه المذيعة طيلة فترة البرنامج، ولم لا؟ فإذا كان ضرب العراق هو مهمة نفطية أميركية فأن (لإسرائيل) مهمات أخرى تستطيع منها جني ثمار لم تكن لتحلم بها. قالت المذيعة: لكم انتظرنا هذا اليوم، كم نحن سعداء، ثم أرادت أن تقدم المفاجأة حيث انضم إلى برنامجها مصمم (إسرائيلي) في المدن حيث أخذ يفاخر بأنه تبرع بتقديم خرائط مفصلة عن الأماكن الأثرية العراقية للقوات الأميركية (دون مقابل)!!.
ثم تتابع المذيعة قولها: (ينبغي أن يبادر طياروا التحالف الى قصف هذه الأماكن الأثرية من البر والبحر والجو لأنها أخطر من أسلحة الدمار الشامل) وتضيف: ((لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي إلاّ بتدمير شامل للتاريخ، احرموا سكان هذا الجزء من العالم تاريخهم الحضاري المتراكم، وحرروهم من تراثهم واتركوهم بلا ثياب داخلية)).
في مقابل هذا أصدر عدد من حاخامات اليهود في (إسرائيل) فتوى (دينية)! مع بدء الحرب تنص على أن العراق هو جزء من أرض (إسرائيل) الكبرى. وطلبت هذه الفتوى من الجنود اليهود في الجيشين الأميركي والبريطاني والذين يربوا عددهم على الأربعة آلاف عنصر ويشاركون في الحرب على العراق أن يؤدوا الصلاة الخاصة عندما يقيمون كل خيمة أو بناء في أرض غرب نهر الفرات وأن يتلوا كل جندي يهودي حين يشاهد بابل (صلاة) تقول: مبارك أنت ربنا ملك العالم لأنك دمرت بابل المجرمة! وفي خطٍ مواز، فقبل بدء الهجمات الأميركية على العراق ردد الجنرال الأميركي وليام دالاس قائد القوات الأميركية في الكويت كلمات في جنوده لتحفيزهم على القتال حيث قال :
(مثل صوت الرعد الذي يهزّ الجبال، ومثل صوت النار التي تأكل الهشيم ..هانحن المستعدون للحرب.. سنتحرك يا رجال).
وببساطة فان ما قاله هذا القائد الأميركي لا يعدو كونه ترداداً لما ورد بشكل حرفي في التوراة في سفر يوئيل. وعلى نفس المستوى من الجهوزية، أشارت صحيفة نيويورك تايمز الى أن جنوداً أميركيين وليسوا إسرائيليين!! فتشوا مقر الاستخبارات العراقية في بغداد بحثاً عن نسخة قديمة من كتاب التلمود تعود الى القرن السابع. في حين كان الرئيس الأميركي يهدي شارون (خريطة للأراضي المقدسة)! تعود إلى عام 1678 حيث تشمل هذه الخريطة دول المشرق العربي (بلاد الرافدين وبلاد الشام) بما فيها طبعاً مدينة بابل، ثم أن العراق بعد احتلاله شهد نشاطاً واسعاً لممثلي الوكالة اليهودية والموساد، بحيث يعملون تحت إشراف الوزير المتطرف (ايهود أولمرت) وبالتنسيق المباشر مع مركز العمليات المشترك للموساد ووكالة الاستخبارات الأميركية CIA. وتذكر المصادر أن هذه النشاطات لهذه الوكالة، أدت الى وضع اليد على المكتبة اليهودية القديمة الموضوعة في مبنى المخابرات العراقية والتي تضم تحفاً نادرة من كتب التوراة والتلمود والكابالا والزوهار المكتوبة على لفائف البردى وجلد الغزلان، ويعود تاريخها الى فترة السبي البابلي لليهود في الألف الأول قبل الميلاد. وتشير المعطيات الى أنه تمّ نقل كل هذه الى (إسرائيل)، وكل هذا جاء متواقتاً مع ما ذكرته صحيفة معاريف (الإسرائيلية) من إمكان قيام خبراء في الآثار من (إسرائيل) بالتحرك نحو العراق في إطار عمل مهني بحت !!.لكن المهنية البحتة تجلت باعلى صورها بعد ان اعلنت اسرائيل قبل شهرين بسرقة كامل الارشيف اليهودي في العراق ،وتبرع عمدة تل ابيب ببناء متحف خاص له كلف حوالى 3ملايين دولار،وعدت الحكومة الاسرائيلية هذا “الانجاز”نصرا لليهود،كاشفة النقاب عن تعامل فائق السرية بين قوات الاحتلال في العراق وعناصر من الموساد ومختصين يهود بالاثار ،وعملت هذه اللجنة طوال مدة الاحتلال على شكل خلية مصغرة داخل السفارة الامريكية ،لكنها لم تكشف النقاب عن عملها الا بعد اتمام المهمة وخروج القوات الامريكية من الاراضي العراقية. وهو ما يجيب عن تساؤلاتنا الكثيرة حول بقاء قواعد امريكية في مدينة بابل الاثرية ومدينة اور ،حتى بعد ان تسلم العراق جميع القواعد العسكرية بعد توقيعه للاتفاقية الامنية ، رفض الجيش الامريكي تسليم قاعدة بابل ،ولم تخرج الا بعد ان خربت المدينة الاثرية بشكل كبير ،فهدمت اكثر من معبد وقصر يبلغ عمره اكثر من 5000الاف ونقبت وسرقت مالايقدر بثمن من الاثار العراقية. في النهاية جاء احتلال العراق في التاسع من نيسان عام 2003.ويذكر الاصحاح التاسع والثلاثين من سفر ارميا باحتلال نبوخذ نصر للقدس فيقول1((فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِصِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، أَتَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرُوهَا. 2وَفِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لِصِدْقِيَّا، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي تَاسِعِ الشَّهْرِ فُتِحَتِ الْمَدِينَةُ. 3وَدَخَلَ كُلُّ رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَجَلَسُوا فِي الْبَابِ))”.
انتهى مقال الصديق منتظر أوردته كاملا لقيمته، وأضيف إليه ما بلغني من مصدر موثوق حول قيام مجموعة من الموساد بمساندة من مجموعة من بلاك ووتر بالتوجه إلى مدينة نمرود سنة 2003 ومنها استخرجوا أقدم نسخة للتوراة باللغة الآرامية (توجد مثيلتها فقط في معلولة السورية وكنت التقيت المسؤول عن حفظها أيام إقامتي بالشام)، وكذلك لفيفة (جلد ثعبان) عليه أول الرموز الماسونية التي خطّها البناؤون الأحرار (الماسونيون) لما كانوا أسرى لدى نبوخذ نصر، وكذلك فقد قرأت أن أطول حصار في التاريخ العسكري كان حصارا قام به نبوخذ نصر (على مدينة صور عام 685 ق م) ودام 13 سنة، وهي نفس السنوات التي حاصروا فيها العراق من بداية من سنة 1990 إلى سنة 2003.
خلاصة المشهدين واضحة، يمكن من خلالها رؤية من وماذا يحرك المشاهد الأخرى ومنها تفجير الكنيستين، ولأي غاية، وضمن أي مشروع، ويمكن إضافة مشاهد أخرى كالعملية الارهابية في متحف باردو في تونس، وذبح Jacques Hamel كاهن كنيسة “سانت إتيان دو روفراي” قرب مدينة “روان” شمالي فرنسا، وعمره 86 سنة، وهو الذي تبرعت كنيسته قبل ذلك بأيام لبناء مسجد للمسلمين.
كل هذه المشاهد تشير إلى أمور جلية مختزلها:
*حرب على الحضارة الاسلامية بكل تفاصيلها بحقد صهيوني ويد وهابية. وهي حرب انطلقت منذ ابن عبد الوهاب نفسه بمخطط وضعه الصيهوني البريطاني همفر. لكنها اليوم في أوجها وأشدها وستشد أكثر.
*حرب لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومعاقبة كل من يمد لهم يدا، وعزل الامة الاسلامية عن العالم.
*حرب لتفكيك الدول والمجتمعات وإغراقها في حروب طائفية ومذهبة وعرقية، وما تفجير الكنيستين في مصر إلا ضمن هذه الأطر.
*مشروع ممنهج شبيه بأفلام المحوّلين الجينيين XMAN، لصناعة وحوش آدمية تدعي الاسلام وهي أكبر آلات هدمه، وتدعي الانتساب لرسول الله وهم أبعد الناس عن رحمته ومنهجه، معظمهم من العرب وأكثرهم للأسف من الشباب التونسي وفق الإحصائيات، ضمن مسارات دقيقة بسطت جملة منها ومن آلياتها في كتابي “رحلة في عقل إرهابي”، فيها العقلي والاجتماعي والطاقي والروحاني وفيها التنويمي والايحائي والبرمجي من المخدرات المجهزة خصيصا (كالكابتاغون) واستثمار الفراغات الروحية ووالعقائدية والثقافية، والانخرامات الاجتماعية والأسرية والنفسية….
هذا المشروع أخذ وقته في التحضير والدراسة وايجاد الظروف المنائمة لنمو الوحش في داخل أطفال صغار عبر رسائل برمجية موجودة حتى في الصور المتحركة وانماط من الموسيقى كالميتاليكا، ثم تم انتظار الفرصة المناسبة التي قدمها ربيع عربي مزعوم بدأ حلما عفويا في تونس (وإن في ظاهر الأمر وظن عامة الناس ونيّتهم) وانتهى مأساة في ليبيا والعراق والشام واليمن ويتحول إلى رعب في كامل أرجاء المعمورة وإلى حب عالمية ثالثة حقيقية بإخراج شيطاني مختلف.
مظاهر هذا المخطط كثيرة كان الكثير منها مجرد سيناريوهات ينبه لها بعض علماء الاستشراف، وكثير مما كتبت منذ سنوات في إطار الاستشراف والمستقبليات بدى ساعة كتابته والنطق به في المقالات والاعلام ضربا من المبالغة والخيال المريض، ثم أصبح واقعا معاشا، وكذلك الامر لمن قرأ للمهدي منجرة عالم المستقبليات المغربي لما كتب عن حال الأمة العربية قبل سنين طويلة مما جد في العراق وما بعده.
اما من باب التخطيط وصناعة المستقبل ضمن سيناريوهات دقيقة (مصطلح مستخدم عند علماء المستقبليات ولدى مراكز صناعة المستقبل) فلقارئ أن يقرأ كتابات ونظريات كيسنجر في تقسيم العالم العربي، أو كتب أخرى كبروتوكلات حكماء صهيون أو أحجار في رقعة شطرنج، وسوف يرى مقدار التحقق في الواقع المعاش.
كلنا ينزف لمأساة الروهينغا في بورما، لكن محفزها الأساسي كان تفجير تنظيم القاعدة لتمثال بوذا في باكستان لتأليب حقد غلاة البوذيين، وتسرب الفكر الوهابي التكفيري إلى قلة قليلة من مسلمي تلك البلاد فقاموا بعلميات أججت الحقد ولعبت الآلة الصهيونية دورها لتكون مأساة يشيب لها الولدان وتستمر إلى اليوم تقتيلا للآلاف بأبشع الصور وتشريدا وتنكيلا. وهذا ليس من باب التبرير بل هو للتفسير، وهو كلام سمعته من أهل معرفة حين بلغت إلى مسافة قريبة جدا من بورما أثناء رحلتي إلى شيتاغونع وكوكسبازار في بنغلاديش منذ فترة قريبة.
إن هذا الكائن البغيض الذي يخرج كل مرة بشكل أبشع، من رحم الخوارج والنواصب ودماء يزيد وشرذمته ومن اتصل بشرّهم واتصلوا بشرّه حتى كان ما كان في كربلاء في فلذات كبد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى وقعة الحرة حين أباح اللعين المدينة لشياطينه والتي اغتصبوا فيها النساء حتى في الروضة الشريفة كما ذكر المؤرخون وولد في المدينة ألف طفل لا يُعرف له أب، وفيها مشاهد تقشعر لها الأبدان، إلى الأزارقة وأضرابهم من الخوارج والفتاكين والقتلة، إلى الحشاشين وكل زمرة قاتلة آثمة، إلى فتن غلاة الحنابلة والتيمييين والوهابيين وما تولّد منهم من تكفيريين وسلفية جهادية وقاعدة وداعش وما بينهما. أضف إلى ذلك عصابات الهاغانا الصهيونية ومجرمي الحرب ممن كان منهم وممن تحالف معهم في مجازر دير ياسين وقانا وصبرا وشاتيلا. ومجازر المسلمين على أيدي الصرب في سراييفو، ثم شرور المتطرفين والسفاحين وما كان في إبادة الأرمن وفي مقتلة البروتسان على أيدي الكاثوليك في مجرزة سان برطلماي في فرنسا،وجنون نيرون محرق روما وهو يعزف نشوانا وابن أخته كاليغولا المجنون وهتلر وفرانكو، وشهوة الحجاج للقتل كقتله سعيدا بن جبير وسواه كثير، وابراهيم الاغلبي (ابن أحمد بن محمد بن الأغلب) ومراد الثالث (ممن حكموا تونس) وسواهم الذين كانوا يجدون لذة في القتل ونهما للذبح والتنكيل حتى أن إبراهيم الاغلبي قتل أبناءه وبناته و300 من خدمه لأجل منديل فقده، وأما مراد فبلغ به الأمر أن أكل لحم أحد العلماء الأشراف بعد أن بادر ذبحه بيده وأطعم منه من في مجلسه، وذبح من البشر مئاتا وكان يتلذذ بتقطيع أجسادهم (راجع كتاب الاتحاف لابن أبي الضياف الجزء الأول).
******
تفجير الكنائس في مصر:
خلاصة الخلاصة: صدق ابن خلدون
*******
كل هذه المشاهد الفظيعة المريعة فيها لوثة الأخ الأول الذي قتل أخاه في أول مشهد قتل في تاريخ بني آدم، وتطور المرض حتى بلغ ما نراه اليوم.
وما يجري اليوم بحق مسلمي بورما وما جرى للأيزيدين في العراق ولأهل الشام من كل طوائفهم، وما سيصيب العالم كله ويشاهد مشاهد تترى إنما هو لعبث شياطين البشر بالتركيبة الداخلية لضحاياهم من الشباب حتى فعّلوا فيهم طاقة الشر كاملة ودكجوا في ذواتهم كل مجرمي البشرية وغطوا ذلك براية تدعي محاكاة راية رسول الله وبخطباء يخطبون بكلام عربي فيه من الآيات والأحاديث ما فيه، ولكن ليس في كل ذلك إلا استراتيجيات أعداء بني الانسان واعداء الأمة العربية والدين الاسلامي وكل خائف منها ومنه وكل غاصب لحق فيها مستوطنا لأرض بالاحتلال أو فاجرا باغيا، ولهؤلاء حلفاؤهم كل يروم غايته:
* فمن استعمر فلسطين يريد أن يخمد ما تتبع أثره في التوراة وفي الانجيل وفي القرآن من وعد حق بدأت علاماته تظهر وتتمظهر في الأرض وفي ما يأتي من سر السماء وما صوروه وعاينوه، وفي الحدثان وجريانه والزمان وسريانه.
* ومن كان خليفة ليزيد فيريد من القتل المزيد ليبقى سلطانه وتتقوى أركانه ولا يناله من الهوان ما حتما سيناله.
*ومن كان لص ثروات وناهب كنوز فله ما له من كنوز ليبيا ونفطها ومن خوفه من غاز سوريا ومن نهمه لبترول العراق وثرواته وآثاره.
*ومن كان فاسد العقيدة صهيوهابي، فهو ينشر إفكه ويبرمج ضحاياه ويكمل مهمة من سبقه على كرسي إبليس وحاله حال من وصفهم رسول الله بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم عن الرمية.
*ومن كان من المافيا وعصاباتهم متاجرا بالاسلحة والمخدرات والبشر فقد ازدهرت سوقه وراجت سلعته وهو ينخر المجتمعات البشرية ويخربها من الداخل.
*ومن كان من المخابرات وشبكاتها فهو ينفذ البرنامج بدقة ويحرك البيادق في رقعة شطرنج العالم الواسعة.
وسوى هؤلاء كثير في تفصيل التفاصيل، ولهم مواثيق بينهم وعمل كبير تدعمه دول بعينها تحفر قبرها بيدها دون أن تشعر، فإن للأمم آجالا كما للبشر أعمارا، ومن يقرأ لابن خلدون يفهم أن كل أمة تحمل بذور هلاكها، وهذه بذرة هلاك هذا العالم المتصدع مريض الضمير، إلا أن يرحم من بيده المقادير.
وما هذا إلا بعض من كثير.