4 دقائق للقراءة
تونس العظيمة، التي حل بها عدد من الأنبياء، واتخذها الخضر ركنا لسره، وعلم بها نبي الله موسى، وسبقه من قبله يونس بن متى عليهم السلام، وخلد التاريخ أبطالها قبل الإسلام، ثم زادها الإسلام شرفا ورفعة وعزا
وكان أول من أذن فيها الإمام الحسن بمدينة سبيطلة سنة 27 هجري، 647 ميلادي، ثم أذن شقيقه الإمام الحسين عليهما السلام، ثم عبد الله بن عباس فعبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنهم، ليعبق فيها سر آل بيت النبوة، ولتتنور بصحابة النبي الكرام الذين زاروها واستشهد بعضهم ودفن في ثراها، كأبي زمعة وأبي لبابة رضي الله عنهما.
ولم يك حضور سبطي رسول الله إليها إلا لسابق أمر نبوي، وبث علوي، برحمة إلهية، وعناية ربانية.
فهي أرض اللطف والسعد، والأمر والوعد، ومجمع البرازخ والبحار، ودائرة الأنوار والأسرار، وديوان الأقطاب، ومجمع الأحباب.
وما من ولي إلا له بها صلة، سواء استقر أو مر.
وكم كان في رحابها من صالح ولي، وعالم جلي، وزاهد خلي، ومخبت صفي، ومجالد قوي.
فهي منارة العلم، ومهد الزيتونة التي أشعت على العالم كله، في فنون العلوم النقلية والعقلية، فقها ومقاصدا وعقيدة وتزكية..
وبها ولد علم الاجتماع وجمع لسان العرب، وظهر رجال برعوا في الطب والهندسة واللغة والمنطق والأدب والشعر.
كما ظهر من نسائها من جمعن العلم والصلاح، والتقوى والفلاح.
ولكل هذا أسماء معلومة، على دقة معلومة.
وتونس دوحة للذرية الشريفة، والأسرة المنيفة.
قد توارث أهلها حب علي وآله، حتى قال أحد أفذاذ علمها، وجهابذة فهمها، الإمام سحنون جامع المدونة وعمدة المدرسة القيروانية: «علي بن أبي طالب إمامي في الدين أهتدى بهديه واستن بسنته وأقتفي أثره».(١)
بل وقال مؤرخها الجهبذ الموسوعي، ووزيرها الأبرع الألمعي، ابن أبي الضياف صاحب الإتحاف: : (وأهل إفريقية يدينون بحب علي وآله، يستوي في ذلك عالمهم وجاهلهم، جِبلّة في طباعهم، حتى أن نسوانهم عند طلق الولادة ينادون: “يا محمد يا علي”، وكان الإمام الشاذلي رضي الله عنه يقول لأصحابه: “إذا اشتد عليكم كرب فقولوا: “يا محمد يا علي”.(٢).
ولذلك تكثر في ربوع إفريقية إلى اليوم أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وزينب….
وها هو أحد أفذاذها، وركن من أركان ملاذها، وفرد من ذرية الزهراء، محب صادق بلا مراء، وإمام جامع الزيتونة في القرن التاسع عشر الشيخ الفقيه المحدث الصالح محمد بن أحمد الشريف (٣)
ينشد قصيدة في مدح آل بيت النبي ناهزت الثلاثمائة بيت، يقول في مطلعها:
إنَّ المودةَ في القربي هي الأملُ
يجري بها ويفوق الأجرُ والعملُ
قرابةِ المصطفى آل بهم شرفتْ
مفاخر بعلاها تضرب المثل
آل الرسولِ كفاهم وصلتهم
به وقوله آلي إذ هو الأمل
أوصى بهم حيث قال الله أشدكم
في أهل بيتي ثلاثاً إذ به اتصلوا
دعا بسترهمُ إذ كان جلَّلهم
وفي ملاءته دون الورى اشتملوا
فمن دروا حقهم في الفضل كان لهم
به البراءة من نار بما عملوا
ومن أحبَّهم جاز الصراط به
كالبرق لا يعتريه البطء والثَّقلُ
ومن يواليهمُ نالَ الأمان منَ ال
عذاب يومَ ذوات الطفل تنذهل
هم الأمان وما داموا على قنن ال
تبجيل لم يكتنفنا في الورى ضللُ
همْ عترةٌ طهَّر المولى منازلهم
مذ أذهب الرجس عنهم عندما كملوا
همُ الهداة وبيت الوحي بيتهم
لا يعتريه بحول الخالق الخللُ
بيتٌ على الدين قد قامت دعائمه
ومن مناهله كل الورى نهلوا
بيتٌ قد انتاب جبريلُ منازله
عن إذن ربّه والأملاك كم نزلوا
بيتٌ تخيَّره الرب الجليل إلى ال
تنزيل والوحي منه ليس ينتقلُ
ما بعد جدهم المختار من رجلٍ
يأتي فتتبعه الأملاك والرّسلُ
لهم سمات وآيات لهم تليت
في الذَّكر لا يعتريها النسخُ والبدلُ
فمصدر الدين هم والدين حبُّهمُ
وهمْ سراة الورى ما مثلهم رجلُ
لا يدخل القلب إيمانٌ وحبهم
لله لم يك حتى يولج الجمل
قوم حياتهم في الأرض مرحمةٌ
بجاههم لم يخب في الخلق مبتهلُ
بل إن علامة تونس النحرير وعالمها الكبير، وشيخ شيوخها، وبرهان رسوخها، إبراهيم الرياحي الحسني يقول في مدح أئمة آل البيت ما فيه برهان المحبة ومطلق الولاء، يقول فيها:
إلهي قد سألتك بالنّبيِّ
وفرعِ الطّهر بالحسن الوليِّ
بمولانا الحسين ومن قد أضحى
شهيدا من يد الشمر الشقيِّ
بزين العابدين ومن تسمّى
عليّا وهو ذو القدر العليِّ
بمن بقر العلوم وكان فردا
محمد الذكيّ ابن الذكيّ
بصادقنا المسمّى في البرايا
بجعفرنا أخ السرّ الجليِّ
بموسى الكاظم الشهم الذي قد
سمى في الخلق بالخُلُق السنيِّ
بمن في طوس قد أضحى دفينا
أبي الحسن الملقّب بالرضيّ
بمن قد فاق في أدب وعلم
محمّد الملقّب بالتقيّ
بذاك السيد الهادي عليّ
حميد الفعل ذي العرض النقيّ
بمولى الفضل بالحسن المسمى
بسلطان الكرام العسكريِّ
بخاتم أولياء الله جمعا
بمهدي الزمان الهاشميِّ
أدم لي حب أهل البيت حتى
أموت عليه بالعهد الوفيِّ (٤)
وسيدي ابراهيم الرياحي الذي لقب بسلطان العلماء الثاني، عالم سني محمدي زيتوني تونسي، يثبت مع ما سبق بيانه وغيره كثير، أن نهجنا اليوم في إظهار محبة آل البيت والذود عنهم أمر أصيل في بلادنا ومدرستنا ونهجنا.
ومن فهم المعنى وجد له شؤونا، ورأى فيه روعة ولوعة وشجونا.
حفظ الله تونس وأهلها، وأتم الوعد الذي شرفها به.
وأدام سرها زيتونة لا شرقية ولا غربية….
الرواضي 24 مارس 2024
(١) رياض النفوس للمالكي 2/ 83
(٢) أحمد بن أبي الضياف، كتاب إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان، المجلد الأول ص 121 طبعة الدار العربية للكتاب سنة 2016 تحقيق لجنة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.
(٣) محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الكبير الشريف توفي سنة 1889م.
كان فقيها ومحدثا قدوة مجاب الدعوة، تقلد إمامة الجامع الأعظم، جامع الزيتونة المعمور.
من اشهر شيوخه عمر بن الشيخ، ومن تلاميذه محمد السنوسي صاحب كتاب مسامرات الظريف.
(٤) قالها سنة 1233 ه/1817 م من كتاب سيدي ابراهيم الرياحي للكاتب أحمد الشريف، صفحة 227، وكتاب تعطير النواحي بمناقب سيدي إبراهيم الرياحي ص 72.