5 دقائق للقراءة
هذا التمشي مهم جدا ومن الضروري فهمه، رغم اختزال ما دونته هنا، فإن هنالك معطيات كثيرة تعمدت عدم ذكرها، ولكن من الضروري على الدولة ان تضع حدا للفوضى وكثرة الدجالين والعابثين بالجانب الروحي سواء كانوا من مشعوذين فاسدين أو مدعين للعلم الروحاني، أو من شيوخ الضلال الوهابي وما يفعلونه بالشباب والشابات خاصة خطير وكارثي…..
وهذا التمشي يتشابك مع التمشي الباطني ويمهّد له، فلكي تصنع إرهابيا عليك في البداية أن تمحو إنسانا، أن تزيله روحيا وأن تشحنه طاقيا.
عندما تتم محاصرة شاب بقواعد الزامية صارمة: لا تستمع للموسيقى فهي حرام. لا تحلق لحيتك فذلك فعل المخنثين وهو حرام. لا تزر وليّا صالحا فهو شرك. لا تدرس في الجامعة فهي جامعة ملحدين. لا تؤمن بالوطن فذلك بدعة فلا وجود لشيء اسمه وطن انما صنعه الغرب الكافر لتفريق المسلمين. إيّاك أن تتبع الأشاعرة فهم في النار. إن كان أبوك أشعري فهو في جنهم. إن كانت أمك تزور أحد الأولياء فهي مشركة فإن لم تتب فهي في الجحيم. سيعذبك الله على ذنوبك وسترى الويلات في عذاب القفر ولن يغفر لك حتى تتبع منهج الخلافة. كل العالم يكرهك حتى أبواك، كلهم كفار مارقون مشركون فاهرب إلى الله وتعالى إلينا. لن تدخل الجنة حتى تقاتل في سبيل الله: فخخ نفسك وقم بعملية انتحارية تتطهر بها من آثامك وتشفع في سبعين من أهلك وتنال حورية فاتنة. اترضى بظل المسلمين وهتك أعراض المسلمات، فلا تنم على ضيم واسْعَ جهدك لتلتحق بالمجاهدين. كل ما تراه من حولك فتنة وبدعة وضلال. المسلمون مقهورون وانت تأكل وتنعم وتبتسم، يا للعار…..
هذا نموذج لما قد يقال له ضمن برمجية عقلية وطاقية ونفسية خبيثة الغاية منها خنق طاقته الحيوية ومحاصرته تماما بالحزن والوحشة وتحطيم كل ما يحبه وكل ما يؤمن به حتى يصبح كتلة من الكراهية والعنف المكبوت والقهر الكامل.
إنه نموذج يمكن تشبيهه بحصار الجهات الأربع: إن نظرت إلى يمينك دخلت النار. إن نظرت إلى شمالك سقطت في سقر. إن رجعت للخلف كنت في الجحيم. إن مضيت للأمام أنت في الحُطمة. فلا وجود لأمل ولا لمنقذ إلا أن يعتنق المعتقد الوهابي التكفيري ويكفر كل الناس حتى أبويه إن كانوا أشاعرة أو صوفيين أو أيا مذهب اتبعوا وخالف ما يقول شيخه. وليس دليه طريق ولا سبيل للتحرر من الاحساس بالذنب والقهر الاجتماعي إلا بالدخول تحت لواء أمير والبيعة لأن ذلك الحائل بينه وبين الميتة الجاهلية. ويتم توظيف ما يصيب المسلمين في بعض البلدان من مآسي مثل مأساة بورما وغزة وسراييفو، لكن الحقيقة أنه لا ينتقم لهم من الصهاينة مثلا بل من بقتل مسلمين آخرين آمنين وسواهم من أهل الأوطان الذين لا ذنب لهم مثل الأيزيديين وبتخريب كل شيء وتدمير كل أثر إسلامي خاصة مقامات الصالحين.
حتى الفتاة عبر إلباسها النقاب وما معه من قفازات ومن سلوك نافر من الناس واحساس ان المجتمع يرفض مظهرها وأنها مجاهدة صابرة ثم يتم العمل على زرع الكره للمجتمع عامة ويتم استغلال ما يبادر به البعض من تهجّم عليهن ورفض لهن ثم خداعها بأن ذلك فريضة واجبة وأن مجرد كشف الوجه هو فضح للعورة ومخالفة للأمر الرباني والنبوي في حين أن ذلك غير صحيح شرعا ومنطقا فليس النقاب فريضة بل أجمع أكثر العلماء على منعه وكونه ليس من الدين في شيء لما يترتب عنه من مضار ودرءُ المفاسد من جلب المصالح أولى. وعندما تختنق تلك الفتاة طاقيا ويختنق ذلك الشاب بكون الحل في بعض التنفيس والمتعة عبر جهاد النكاح مثلا والزواج العرفي المستشري فيهم بشكل كبير يجعلون له غطاء شرعيا كاذبا وهنالك مآسي تتم بعد ذلك وثمة من يحمل زوجته لتكون ضمن جهاد النكاح وطالبات في الجامعة متميّزات يتحوّلن إلى متعة لنخّاس يلبس ثوب التقوى ويستغل سذاجتهن.
هذه المتع كلها مع استمرار الخنق والضغط (وهو ما شرحته ضمن المرحلة التنظيرية) ومع النظرة التصادمية للعالم الخارجي تجعل الطاقة تتحول إلى ثقب أسود من الطاقات السوداء المدمّرة، وهنا تُحاصر الروح الطيبة وتتمظهر روح خبيثة شيطانية تكمن في الباطن منتظرة لحظة التحرر، فهذا التمشي يورث مرضا روحيا خطيرا وهو ما يفسّر حالات الصرع والمس لدى فئات كثيرة ضمن هذا المنهج مما يسمونه زورا الرقية الشرعية فيقوم شيخ الدجل بصرع الفتيات في المسجد وهذا حصل كثيرا في تونس على سبيل المثال حتى بلغ الاعلام الذي عن جهل او طمع خدم هذا المنهج الشيطاني المنحرف وانتشر أدعياؤه بقوة الظلام فيهم يدعون علاج الناس وهم يخربون نفس وروح كل ما وقع تحت تأثيرهم ويحولونه إلى منهجهم وكل ما أقوله عن شهادات حية ومعرفة فعلية.
وبما أني مختص أيضا في العلاج الطاقي الروحاني والعلاج بالرقية الحقيقية وفي العلاج بالتنويم المغناطيسي والبرمجة العصبية، فإني أدرك جيدا ما أقول: هذه علوم خطيرة يتم توظيفها بشكل خبيث ضمن تمشٍّ دقيق يحوّل الشاب والشابّة إلى أشخاص آخرين، إلى قتلة ومجرمين ضمن ما أشميته “الكُمون” أي تكمن فيه شخصية أخرى فصامية وتسيطر عليه تدريجيا فإذا سيطرت وانفجرت بعد أن استغلت ثقبا أسود ناتج عن حرمان في جانب أو غياب معنى وجودي او سواه مما شرحته في جملة من الدراسات، يكون الانفجار مدمرا ويسهل حينها القتل والذبح والرقص فوق الجثث.
فهم ما ذكرته، يفسّر اصرار من دخل هذا السديم المظلم على الموت، وانتشاءه قبل القيام بعملية انتحارية، ومضيّه إليها غير متكرث ولا مبال، ويمكن النظر في مشهد قريب من زمن كتابتي لهذا القسم من الكتاب: وادي الليل بتونس: فتاة عمرها 21 سنة معدلها في الباكالوريا 19.20 جميلة أمها وأبوها في مجال التعليم مليئة بالحياة والأمل تدرس الهندسة بتميز ثم تتحول إلى ذلك المنهج وتترك الجامعة وحين تتم محاصرتها من قبل الأمن تصر على الموت وتستخدم الكلاشنكوف حتى تُقتل رغم جلب أمها لتطلب منها الاستسلام. أخرى من نفس العمر تحمل رضيعها في يدها والسلاح في اليد الأخرى وتهاجم الأمن والجيش حتى تُقتل.
هذه الصور الصادمة، والتي سيستثمرها أدعياء هذا المنهج الظلامي للحديث عن بطولتها وعزتها وكونها شبيهة بالصحابيات وأنها نموذج للمجاهدات الصابرات وغيره من الإفك المنمق إذ أنها لم تكن تقال فرعون أو النمرود أو من أراد نيلا من شرفها وعرضها بل أمن وجيش بلادها المسلم الموحّد وتعصي أمّها وتورث الحزن في قلوب أبويها وأهلها ولا تراعي حرمة الوطن وقداسته ولا تراعي حتى أمومتها وحق رضيعها في حياته وحياتها، بل حتى حين جاء زوجها وكان ارهابيا معها بل هو من جندها وطلب منها الاستسلام كفّرته. هذه الصور من المحال فهمها في غياب كل التمشيات التي ذكرتها وخاصة التمشي الطاقي الروحاني لأن تلك الفتاة مجرمة وضحية في ذات الوقت والمجرم الفعلي من برمجها ودمغجها مع زوجها وبقية المجموعة، ولعله حر طليق ينعم بالحياة ويضحك من بلاهتها. لقد وقعت في فخ الاستلاب الشبيه ما لدى خبراء الننجتسو القدامى من سحر أسود وفنون تنويم تسمى الجنجتسو Genjetsu أو فن تحويل العقل والروح. ولمن يؤمن بالروحانيات ويفهم في اللبس الشيطاني والتسلط القهري نقول أن ذلك مستخدم أيضا فالذي يسقط في تلك الحبائل يكون في حال لبس كلّي ولئن نطق بالقرآن فالشيطان يحفظ القرآن كله وهو من أعلم الخلق بالشرائع.
لا أشك لحظة في توظيف أنواع من السحر في هذا الجانب، ومن ينكر ذلك عليّ متعللا بأن الأكاديمي عليه أن لا يذكر هذه الأمور اقول له أني مسلم مؤمن بما جاء في كتاب الله والله سبحانه ذكر السحر مرارا وهو أعظم من الأكاديمية. ولهذا الكلام سياقات أخرى ولكن الغاية أن وجوب تحصين الشباب من جميع الجوانب وضرورة حمايتهم حتى في الجانب الروحي ومنعهم من زيارة وقصد أدعياء العلاج بالرقية الشرعية لأنهم سيلطون عليهم أذى شديدا حتى يروا الحقائق بعين الوهم والتخييل المريض.
الثقافة والتوعية وتفسير هذه المسائل للناس وتحذيرهم منها وخاصة الأسر لتراقب أبناءها وتتفطن للأمر قبل فوات الأوان، وهو ما قمت به في عديد البرامج التلفزية والاذاعية وجملة من الدراسات لكنه جهد منقوص ما لم تتبناه الدولة ويدعمه المجتمع المدني.
وإن أهم تحصين هو نشر التصوف العرفاني الحقيقي دون شطح ولا أوهام وترهات، تصوف التزكية والمعرفة والفقه والعلم الشرعي، تصوف الأوراد والأذكار والمذاكرات والمدائح التي تنعش الروح وتصقلها وتحمي الإنسان من كل أذى بفضل من الله ورحمة .