4 دقائق للقراءة
هو المرحلة الختامية لجميع التمشيات، وضمنه مسار المرحلة الثالثة أو المرحلية التفجيرية ضمن نظريتي الثلاثية، أما ما سبق فيندرج أساسا ضمن المسار التنظيري وما يؤدي إليه من تكفير .
التمشي الحركي رابط بين كل المراحل وناتج عنها، فالإرهاب فكرة + عقيدة + حركة.
فالفكرة تتحول باعتناقها إلى عقيدة، وتلك العقيدة تُنتج حركة بالضرورة، وهو حكم عام على تمشي إنساني منظومي في مجالات مختلفة تتحول فيها الأفكار إلى عقائد والعقائد إلى حركات وأفعال.
التمشي الحركي يبدأ ببعض العنف، ويصل إلى الإرهاب، وهو مفصّل ضمن المراحل الجزئية للمرحلة التكفيرية. ويتميز البعد الحركي بالسرية والقداسة والغموض، إنه إسقاط لنشاط الصحابة السري في دار الأرقم قبل الأمر بالصدع بالدعوة. وهذه الإسقاطات ضرورية لحفر النموذج التكفيري والارهابي داخل الذهن. وتبدأ التمظهرات الأولية لذلك في العزوف عن المجتمع والإدمان على العزلة والنشاط الكبير على مواقع التواصل خلف باب الغرفة المغلق أمام حيرة الأهل، ثم زيارات مفاجئة لأصدقاء غير معروفين من العائلة، وبعدها يختفي الشاب ليعلن أنه في بؤرة النزاع في سوريا أو فجّر نفسه في أحد المقامات في العراق. والكلام عن تجارب عاشتها عديد الأسر التونسية وشهادات حية.
من الجوانب الحركية أيضا الاجتماعات السرية وحضور حلقات مغلقة في المساجد وفي منازل بعض شيوخ التكفير الذين يبرمجون الشاب والشابة وربما عقدوا بينهم زواجا عرفيا أو أسقطوهم في الإدمان والهلوسات والبرمجيات العصبية والتحفيز التنويمي والإيحائي وغير ذلك مما تم للأسف في تونس مثلا أمام تناوم الدولة وغيابها المتعمد حينا والعاجز أحيانا عجزا قد يفسّر بالتواطؤ.
ينقسم الحركيون إلى: حركي مُضمر، وحركي معلن.
1/الحركي المُضمَر: هو حركي خفي يضمر الإرهاب ويتحين الفرصة أو الأمر بالتنفيذ. ينضوي ضمن خلية نائمة تنتظر التفعيل ويكمن منتظرا متلهفا للحظة “اقتُل واستشهد”. تكون التمشيات السابقة قد أوغلت فيه فمحت ذاكرته المكانية وحضوره الزماني الواقعي وضربت آليات التمييز والتحليل والنقد لديه، فإذا تم اكتشاف تلك الخلية ترى اصرارها على القتل والموت (الشهادة في نظره) وهذا ما يمكن معاينته في تسجيل عملية وادي الليل الأمنية التي بدأ فيها الشاب المحاصر بعد حوار يوم وليلة وبعد جلب الأم التي لم يكن يسمعها لأنها ممحوة من وجدانه، أخذ في التكبير والكلام عن أنه لا يخشى الموت في صوت يمكن عبر تحليله معرفة مقدار الدمار الداخلي والغياب الذهني الكلي لأنه حينها تجتمع جميع التمشيات ويتم تفعيلها آليا دفعة واحدة ومن المحال إيقافه عن مساره الوهمي الذي يراه حقيقة فهو يقاتل الطاغوت قتال الصحابة ويصر على الشهادة إصرار جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة وسوف يحلّق بعد قليل بأجنحة خضراء إلى جنة عدن ويجد في استقباله النبي وأصحابه وربّا يفرح به ويدخله راضيا مرضيا في عباده الصالحين وجنات نعيمه حيث حوريته التي أدميت عيناها دموعا وهي تزوره في احلامه وتناديه كي يكون الوصال بعد اشتياق وانتظار وتكون المتعة التي لا تشابهها متعة. وهو بهذا التوصيف الذي زرعوه في ذهنه وروحه يستميت في القتال ولا يرى إلى الموت أمامه قاتلا أو مقتولا. ويتم استخدام الآيات التي تحث على الشهادة وتبين منازل المجاهدين في سبيل الله، مع قصص مكررة عن شهداء الصحابة وبطولاتهم وتؤازر في ذلك مسلسلات التنويم من امثال مسلسل عمر الذي تم اعداده خصيصا لتجييش الشباب المسلم الغرّ في تنظيمات النصرة وداعش وأخواتها.
لو أننا رأينا ذلك الشاب بعد موته مباشرة لرأينا مقدار صدمته ومسكنته: فالصحابي الذي استشهد في سبيل الله وحتى المجاهدون من أمثال الشيخ عمر المختار والذين أقبلوا على الشهادة مطمئنين غير هيّابين للموت محبين للقاء الله لم يقاتلوا ظالمين، ولم يخرّبوا أوظانهم بل دافعوا عنها، ولم يكفٍّروا اهل التوحيد، ولم يكونوا عاقّين لوالديهم ولم يجافوا أقوامهم ظلما وعدوانا ولم يستكبروا في الأرض ولم يعثوا فيها مفسدين يقتلون الرجال ويسبون النساء. والأمن الذي واجهه لم يكن طاغوتا بل أمن تونسي مسلم موحّد يشهد لله بالألوهية ولمحمد بالنبوة. والمجتمع الذي أرادوا القيام بعمليات ارهابية فيه مجتمع مسلم، وحتى حين لا يكون مسلما فلا يحق لمن آمن بالله حقيقة أن يقتل الناس ظلما وبغير حق وهذا أمر حرّمه الله سبحانه في آيات قرآنية كثيرة ونهى عنه رسوله.
بل لعل ذلك الشاب ومن معه ساهموا في قتل الجنود وهم مسلمون وصائمون وقتلوهم غدرا والمسلم لا يغدر بل هو ينشر السلام ولا يقاتل الا اضطرارا لا عتوا واستكبارا.
فكيف يكون المصير لمن فجّر جسمه أو أصر على قتل المسلمين والآمنين؟
الشهيد حقا من دافع عن وطنه وكل أمني أو جندي قُتل وهو يذود عن أرضه وبلاده فهو الشهيد حقا، لا من غسل عقله الارهاب وأوصله إلى أبواب العذاب.
2/الحركي المعلن: يمضي في تمشي إدارة التوحش، فمع ظهور الشوكة وزوال أسباب التخفي يفجّر كوامن حقده وهي المشاهد التي صدمت العالم في قتل داعش وجلدهم وردمهم للناس أحياء، وفي مشاهد السخرية من الجنود العراقيين قبل قتلهم والتي قام بها تونسي للأسف.
وغيرها من التمظهرات التي تبين مقدار الشر الذي تم تجميعه في هؤلاء دون تفطن أحد أو موقف رسمي من الدولة وعلى رأسها تونس التي أصبحت أول مصدر للإرهاب في العالم وهو ما يتحمله حكام إفريقية بعد الثورة وخاصة رئاسة الدولة.
كم عدد الحركيين المُضمَرين والمخفيين في مجتمعاتنا؟ وهؤلاء لو أتيحت لهم الفرصة فسيفعلون فعل داعش بالأيزيديين (قتل الرجال وسبي النساء وبيعهن في سوق البصرة) وبمن أسروهم من الجيش العراقي والسوري، وبالصحفيين الأجانب، وبكل من وقع تحت أيديهم: القتل ولا شيء غير القتل بأبشع الطرق، مع الرقص بالرؤوس المقطوعة والابتهاج والنشوة التي تقارب الانتشاء عند القطع ولهم في هذا كلام يبين مقدار الاستلاب الشيطاني والتحرر الكلي للشر وانعدام الانسانية. وذات الأمر ينطبق على قوات الصهاينة في مذابح دير ياسين أو حزب الكتائب اللبناني مدعوما بالإسرائيليين وجيش لبنان الجنوبي في مذبحة صبرا وشاتيلا والتي تلذذوا بذبح الأبناء أمام أمهاتهم قبل ذبحهن والقيام بأمور يعجز القلم عن ذكرها، فيا لصبر الله ويا لقسوة أقداره.
إن من بلغ التمشي الحركي استحال الحوار معه أو إصلاحه، فإما أن يتم التعامل معه استباقيا بالكشف عن خليته ومجابهتها والقبض عليها أو التخلص منها بالقوة، ثم يكون القانون رادعا قويا في حق من تم القبض عليهم لا التعامل بالتراخي ووفق منهج حقوقي عقيم ولئيم ومتواطئ. وإما أن يكون التمظهر المعلن والهجومات الارهابية العنيفة التي تمر من الارهاب النوعي والعمليات الخاطفة إلى الإرهاب الأسود ومحاولة إسقاط الدولة ومهاجمة مراكزها الحيوية وقتل المواطنين العزل. وما تشهده ليبيا اليوم قريب من ذلك مع ما يمكن أن يكون من تطورات، أما ما تشهده مصر فهو نوعي متطور، في حين تكون الشام والعراق شاهدين على التمظهر الحركي الكامل والذي لم ينفع فيه إلى الآن التدخل الدولي ولن ينفع طالما الدول المعنية تم إضعافها والتآمر عليها.