2 دقائق للقراءة
في كل العقول المتطرفة عبر العالم والتاريخ. ربما يعمل تمشّ واحد فيوصل العقل للإرهاب والتطرف، أو تتعاضد التمشيات، لكن الثابت أن كل إرهاب مهما بلغ من قسوة، ومهما كان انتشاره، يبدأ من مجرد فكرة تخترق عقلا وتجد فيه مكانا للنمو والتحول إلى إرادة ومشروع، تلك الفكرة تكون ضمن تمشيات وأبعاد، ثم تنتقل إلى عقول أخرى بفعل العدوى حتى تتمظهر كما تفعل الفيروسات التي لا يمكن رؤيتها بكائنات أكبر منها مليارات المرات، وتقضي على مدن بأكملها، وربما استطاعت تدمير العالم ومسخ البشرية لو وجدت المجال، كما تصور بعض أفلام السينما. وما الإرهاب سوى فيروس فكري مُعْدٍ.
السؤال هنا عن طبيعة هذا الفيروس هل هو طبيعي أم مصنّع، عفوي أم مبرمج؟ والإجابة تكمن في كون طاقة الشر في بني آدم مودعة ضمن تسويتها وإلهامها الفجور، ولها ترياق في من طبيعة النفس المودعة كما لكل سمّ ترياق من طبيعته. هو صراع بين قابيل القاتل وضحيته الدائمة هابيل. لكن في الإرهاب يكون قابيل وهابيل مدمجان في ذات واحدة، فيكون مجرما وضحية في نفس الوقت. ويجتمع هنا البعد الفطري من النزعة الظلامية في النفس والبعد المبرمج مما يتم زرعه لتفعيل تلك الشرور وإخماد صوت الضمير وإفساد الذوق ونزع شعلة الإنسانية الرحيمة. فهو مصنوع يعمل ضمن معطى طبيعي. هو عمل على العقل ومن خلف ذلك على النفس والقلب والشخصية وحتى الروح (عبر العقيدة) ليكون الناتج إرهابيا بلا قلب ولا عقل ولا روح ولا أدنى ذرة من رحمة.
البعد الأول إذا هو بعد باطني محض: بعد تفاعلي مع طبيعة النفس البشرية وكوامنها التي حوت مطلق الشر ومطلق الخير. هو تفعيل للشر الباطني وغلق للخير الباطني أو تزييف لمجراه ومعناه حتى يعتقد من يقترف الشر المطلق أنه يقوم بالخير المطلق، وحتى يصبح ضميره الحي لاغيا ويعمل بدلا عنه ضمير وهمي يشعره بالراحة كلما قطع رأس إنسان، بل ويغني وهو يمضي لتفجير نفسه. وحين نرى مشاهد الفيديو التي تصور انتحاريين ينشدون ويضحكون قبل تفجير اجسادهم ندرك قوة البعد الباطني ومقدار التلاعب الذي تم داخل نظم الشخصية والإدراك مع ما فيها من قدرات التقييم والرؤية المنطقية. وحين نعلم أن تنظيم داعش مثلا يدرب أطفالا صغارا على التفخيخ والعمليات الانتحارية وقطع رأس الدمى نرى مقدار العمل على البعد الباطني مما يغرس ذلك الفيروس عميقا حتى يستحيل القضاء عليه ونزعه مع تزويده بجدار ناري يحميه من أي اختراق، وهذا يوفّره البعد العقائدي بمنطلقاته التكفيرية.