2 دقائق للقراءة
هو بين متناقضين: حالات من الفقر المدقع التي تضغط على النفس وتمثل مجالا تنشط فيه التمشيات التي تستهدف العقل الإرهابي. وحالات من الرفاه المتخم الذي يميّع المعنى الوجودي ويترك الذات لاهثة حلف معنى تحققه ولو عبر الإرهاب نفسه.
إن البيئة الحاضنة اقتصاديا هي بين هذين البعدين تتخذهما منطلقا لتمشيات دقيقة وفق نوع الضحية حتى تخرب نفسه وعقله، وتصنع منه إرهابيا. ولذلك تكون الدول التي لا تمنح للفقير أملا وإمكانيات تحقيقه، وللغني معنى وإمكانيات تجسيده، تساهم في مساعدة الفيروس الإرهاب على الاختراق والتمركز والتمظهر. فالدولة الراعية الاجتماعية، والتي تفعّل الثقافة كبعد وقائي ومنطلق صحي للعقل والنفس، يمكنها حماية أبنائها من فيروس الإرهاب ومختلف تمشياته.
لقد سقط في الإرهاب فقراء معدمون لم يجدوا أملا لرغيف خبز، بعد أن ثاروا للكرامة والتشغيل. وسقط في الإرهاب طلبة أيقنوا أن الدراسة لن توصلهم لعيش كريم وعمل يحفظ الكرامة ويخرج عائلاتهم من الخصاصة الكاملة. وسقط في الإرهاب مهمشون فاقدون لحضن الوطن مما جعل حس المواطنة لديهم يمضي نحو النقمة التي يستغله الارهاب لتكون نقمة على الوطن نفسه. وسقط في الإرهاب معدمون سقطوا قبل ذلك في الإدمان على المخدرات وانواع الفساد، ومات الكثير منهم غرقا بعد أن غادر بلاده على لوح خشبي خلف حلم إيطاليا التي رمالها من ذهب، بل بلغ الأمر بأمر شابة تحمل رضيعها على زورق صغير وتموت معه، وجمع البحر في اعماقه أفارقة وتونسيين وليبيين ومغاربة، لأن الياس واحد وفوبيا ضيق المكان واستحالة العيش واحدة، والأمل الكذاب الذي يستغله إرهابيون يعملون في تسفيرهم للموت، نفس الأمر ونفس البعد عمل ضمن إرهابيون سفروا شبابا محطّما إلى سوريا وبؤر النزاع بحجة الجهاد والدفاع عن الثورة والشعب والإسلام.
وسقط في الإرهاب مترفون يمضون أعمارهم بين الملاهي والمراقص، أو في تخمة جسمية وفراغ روحي وخواء معنوي. وسقط فيه من هم بين هذا وذاك، ضمن أبعاد اقتصادية دقيقة تجعل الإرهاب يعمل ضمن منطلقاتها، وما الإرهاب سوى اقتصاد قوي جدا من تهريب وجريمة منظمة وسرقة غاز وخيرات الدول وخلفه دول بعينها ومخابرات ومصالح وشركات كبرى. فذلك بعد دولي وبعد استراتيجي.