2 دقائق للقراءة
4.طريق الحلم والمأساة: هذا جوهر المسار ولبّه، فحين تتم دمغجة العقل المدمر عن طريق العقل المدبر، ينتقل من مستوى إلى آخر، ويمضي من مرحلة إلى التي تليها حتى يتحوّل في النهاية من إنسان إلى كائن بدائي متوحش يرقص حين يقتل بشريا آخر. وقبل ذلك تكون رحلة العقل المدمر في “أرض الله”، هي رحلة الحلم الوجداني، لكنها خطوات في طريق المأساة التي يصعب الخروج منها. فالفظيع حقا في الفخ الارهابي أن أبشع كوابيسه ترتدي أثواب أجمل الأحلام، فأي مسلم لا يحلم بأيام النبوة وأمجاد المسلمين وبطولات الفاتحين وصهيل خيل هارون الرشيد وهي تمضي لتؤدب (نقفور)، أو ابنه المعتصم وهو يفتح أنطاكية نصرة لمسلمة صرخت: وامعتصماه؟
وهنا تعمل بعض المسلسلات التي تم انتاجها منذ سنوات كآلية لتحويل ذلك الخيال والحنين إلى صور واقعية بمؤثرات قوية تخترق الوجدان بقوة وتسهل عملية الإسقاط الوهمي والدمغجة الاستلابية، ولعل أقواها مسلسلا القعقاع وعمر ولهما ذات الأهداف في عمق المخطّط.
هذا الحلم يوم يلقى أمام عجلات قطار الواقع ينكشف على حقيقته: مجرد وهم فاسد وكابوس مفزع، سواء كان ذلك في بؤر النزاع والموت، أو حين يتفطن الأمن وتتم محاصرة البيت ويجد العقل المدمر نفسه عاجزا حتى على الاستلام بل تفعّل في داخله آليات لم يعد يستطيع التحكم فيها فيصرخ بالتكبير والتهليل ويمضي للموت بإصرار طامعا في الجنة عاملا بعمل أشرّ أهل النار، فهو لم يقاتل في سبيل الله حقيقة ولم يجاهد لأجل الحق ولم يفهم أن للجهاد معان أكبر من الحرب والقتال، ولم يكن ينشر دعوة الحق، بل قاتل ظالما لأبناء وطنه المؤمنين وظالما لأرضه ودينه وأهله ونفسه، وتلك لعمري قمة المأساة.
هذا الطريق بين الحلم والمأساة له تمشيات، وهو ضمن أبعاد ومنطلقات تحيط به، والعلاقة بين الأبعاد والتمشيات هي علاقة تفاعلية، حتى يكاد يكون بينهما نوع من التماهي، إذ يكون البعد العقائدي مرتبطا بشكل مباشر بالتمشي العقائدي، ويكون البعد الاجتماعي متصلا بالتمشي الاجتماعي، ولكن هنالك فواصل بين ما هو خارجي كإطار، وبين ما هو داخلي منهجي كتمشّ دقيق يستفيد من تلك الأبعاد والأطر والمنطلقات ليستغلها ويبني عليه، وهي تساعده وتسانده، كما سيأتي البيان.
التمشيات منهجية، والأبعاد نهج، وبين المنهجية والنهج الذي تسير فيه، يكون التفاعل بين المنظومتين مباشرا حينيا ومستمرا.
ضمن التمشيات تفاصيل ونوعيات أحاول في الفصل الموالي تبيّن أهمها، وهي جميعا تحطّم بنية العقل المدمّر وتحوله تدريجيا وبمكر شديد إلى عقل إرهابي.