4 دقائق للقراءة
لماذا اخترت (بصيرة عقل) عنوانا لكتابي هذا؟
ببساطة لأن العقل الذي لا بصيرة له هو عقل عاجز مهما بلغت معارفه. ولكن كيف يكون للعقل بصيرة وفيما يحتاجها؟ في رأيي فإن العلم المجرّد الذي لا تدعمه بصيرة ثاقبة هو علم مسجون في حدود ذاته مقيّد غير قادر على الخيال والنموّ والطموح والتطوير. أليس كل ما شهده العالم من تطورات كان أحلام كتاب ورسوم ملهمين من أمثال ديفنشي أو بصيرة عقلية ثاقبة لعمالقة الفكر الإنساني الذين نسعى جاهدين للاقتداء بهم.
وليس كتابي هذا كتابا فلسفيا ولئن حوى بعض الفلسفة، ولا هو روحاني ولئن كانت الروح من بواباته استقراء واستشرافا، ولكنه متعلق بداء العالم اليوم وعالمنا العربي خاصة، داء عضال ووباء فتاك لا فكاك منه بغير علم ورؤيا وبصيرة تتجاوز القلب إلى العقل نفسه. فليس الإرهاب سوى نسيج معقد يحتاج عقولا لها بصائر وأبصارا لها عقول. وهذا الكتاب مكمّل لكتابي رحلة في عقل إرهابي متكامل معه. وإن بصيرة العقل فيه حاضرة ناظرة، يمكنك أن تقارن فيها بين زمن كتابة المقال أو الحوار وما تم استشرافه ثم مدى تحققه واقعيا، وهو أمر لك أن تقيسه بعقلك وأن تتثبت منه عبر صور بعض تلك الحوارات كما تم نشرها في الصحف أو الرجوع لصفحاتي على فيسبوك وللكثير من المواقع التي نشرت لي أو لتسجيلات المداخلات التي قمت بها في الاعلام او المحاضرات التي قدمتها والندوات التي شاركت فيها وهي كثيرة، وليس ما أوردته في هذا الكتاب سوى نزر قليل جدا.
إن القدرة على الغوص التحليلي والاستنباط والاستباق عبر الحدس المطوّر الذي ينتقل من التوقع إلى الاستشراف بغاية الوقاية هو أمر مهم وخاصة في مجالات تتعلق بالاستراتيجيات الأمنية والعسكرية ومجالات مكافحة الإرهاب. وقد سعيت عبر المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل الذي كنت صاحب فكرته الأولية وأحد مؤسسيه وترأست قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب فيه، أو عبر التنسيق مع منظمات المجتمع المدني ذات الصلة والنقابات الأمنية والعمل التوعوي والنشاط العلمي والإعلامي، سعيت لتقديم عصارة جهدي العلمي ونتاج بحثي المعرفي خدمة لوطني وأمتي، ولكن رغم ثبات دقة الرؤية وعمق التحليل ومصداقيته فإن الدولة – للأسف – ظلت لفترة طويلة تتعامى وتسد أذنيها رغم حواراتي الكثيرة مع القائمين عليها في أعلى هرم السلطة وتحذيراتي التي تحقق خطرها وضررها، ولا أدعي أني أمتلك العلاج وحدي ولكني على يقين أني أمتلك قسما من الحل عبر العلم والخبرة والبصيرة الثاقبة والمصداقية العلمية والصدق واليقين ومحبة الوطن التي شهدت عليها أعمالي العلمية والأدبية وقصائدي والأغاني التي غناها الفنان الكبير لطفي بوشناق وخاصة أغنية أنا مواطن (خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن). والتي راجت في الآفاق وأسالت الدمع من ملايين الأحداق.
ولعلك تجدني احيانا أذكر مواطن الخلل في الدولة، وهو ليس كلاما أخفيه في درج بل هو ما لهجت به صراحة وأمام من كنت أعنيهم سواء في قصر قرطاج أو في غيره وهو موثق بالصوت والصورة ومدوّن شاهد بذاته على ذاته وشاهد علي وعليهم.
لقد كان ظهوري الإعلامي المحليّ والدولي مكثّفا منذ سنوات في الإذاعات وشاشات التلفزيون، كشاعر ومثقّف، وكخبير في العلاج بالطاقة بداية، ثم كمفّكر إسلامي، ومختصّ في التيارات الإسلامية، ثمّ كخبير استراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية وفي مكافحة الإرهاب، وخبير في الأمن الشامل، وصولا لباب الاستشراف وعلمه الذي قدّمت في الإعلام مرات عديدة استشرافات تمّت حرفيا ولا غرابة حين يكون البناء منهجيا علميا دقيقا ولا يتم الانتباه من الدولة، بحكم أن غاية الاستشراف الوقاية لا مجرّد توقّع حدث ما أو استشعاره.
أما الحوارات الصحفية فهي كثيرة للغاية سواء في الصحف المحلية أو العربية أو الصحف ووكالات الأنباء العالمية، وكذلك في عدد كبير جدا من الصحف الإلكترونية والمواقع، خاصة حين أستشرف عملية إرهابية ثم تتم، لأن الإعلام يتابع ما يكتبه الخبراء وما ينشره هذا وذاك ويميّز الغثّ من السمين.
فيما يلي بعض من حواراتي الصحفية التي أرى لها قيمة أكبر من سواها، ويمكن من خلال تتبع ما فيها وربطه بالتاريخ ثم تتبع ما حدث بعدها ومعرفة عمق التحليل ودقّة الاستشراف. كما يجد القارئ صورا لعدد من مقالاتي وحواراتي الصحفية المنشورة. إنّه شاهد على جهد سعينا من خلال لتوعية الناس وإنارة الرأي العام ونصح القائمين على الدولة عن علم وخبرة وبيّنة وصدق، شاهد يثبت أن هنالك من اختار أن لا يسمع وأن لا يرى وأن لا يفهم، وأن هنالك من لا يرى ولا يسمع ولا يفهم أصلا. لكن ذلك لا يمنع من يقيني بأن هذه البلاد تحوي الكثير من النزهاء والشرفاء وسوف تنهض مجددا رغم كل شيء، وهو رجائي للأمة كلها.
وإن ما سأستهل به كتابي هذا كلمة حق لو أني وجدتني خارجا عنها في حرف لما أوردتها، وليس في الأمر غرور مزهو أو تباهي مختال، ولكنها دليل على وجود شرفاء ووطنيين يقدّرون الجهد ويرون قيمة العمل ويحترمون الصادقين، وهو نموذج التقيت الكثيرين منه في الواقع وسمعت ورأيت منهم ما زاد يقيني رسوخا وخطوتي ثباتا وحبي للشعب والوطن عمقا ونقاء. وهو تحية لكل من شاركني رحلة النضال الفكري التوعوي وكان مع الوطن حين احتاجه الوطن، وبين للناس الحق بحق، وببصيرة عقل.
سوسة 17-04-2015 2:48:36