2 دقائق للقراءة
على عكس ما يظن الماديون، لم تكن المجتمعات الإنسانية الأولى مجرد مجتمعات بدائية لسلالة هي بين القرد والبشر، انحدرت من جد أعلى تشترك فيه مع القردة، ومكثت همجية بشعة جاهلة تأكل كما تأكل السباع والسوائم حتى اكتشفت النار ذات مصادفة، كأن أحدا منها لم ير حريقا قبل ذلك!
على عكس ذلك، كانت مجتمعات على غاية التطور، لأن الأب الأول لم يكن قردا متخلفا بشعا، بل كان مخلوقا جميلا كاملا عالما متطورا جدا وقادما من الفضاء، من الجنة فوق الكون المادي المظلم ومادته السوداء، من عالم الكمال والملائكة وتجليات الألوهية.
لقد نسج آدم الأول نسيج المجتمع الآدمي، في سلالة أبنائه، بما كان لديه من علم وقدرات، وحجم أكبر وعمر أطول من ذريته، التي سيتناقص حجمها وعمرها وعلمها بمرور القرون.
وكانت الفضيلة هي القوة، لا مجرد القوة دون فضيلة.
ومثلت جريمة ابنه العاق زلزالا اجتماعيا لذلك المجتمع المتطور الفاضل.
ولكنها كانت مؤشرا على خاصية اجتماعية بشرية ستسري في كل المجتمعات إلى النهاية، ألا وهي خاصية “الصراع”، ونوازع الشر التي انطلقت من حرب مباشرة بين آدم وقوى الظلام متمثلة في عدوه الأول “إبليس” ليكون النزول ضمن المعطى الإلهي الذي سرى قانونا إلزاميا: ﴿قَالَ ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ وَلَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرࣱّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ﴾ [الأعراف ٢٤]
إن الصراع حتمية اجتماعية بشرية، وإن الفضيلة جوهر المجتمع الإنساني.
وفي كل مجتمع تزدهر الأمور كلها، علميا وثقافيا واقتصاديا وحتى عسكريا، بانتشار القيم الفضلى، وانتهاج الفضائل وتبني الفضيلة منهجا للحياة.
ومع الأخلاق الفاضلة يكون المجتمع فاضلا قويا منيعا، ويصلح حاكمه ومحكومه.
ثم ينخر الشر ذلك، ويدب الصراع، ويُهجر الحكماء، ويُحتقر العلماء، ويعصى المصلحون ويُحارب الصالحون، حتى تستشري الظلمة ويقوى الصراع، وينخر المجتمع من الداخل، فيزول بحرب داخلية بينه وبين نفسه، أو تضربه يد السماء، فتمحقه محقا.
فيكون زوال الفضيلة واستشراء الفساد مؤشرا لزوال مجتمع وشعب بأكمله: ﴿وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا﴾ [الإسراء ١٦]
بهذا المنظور يمكن إعادة قراءة التاريخ، وإعادة تلاوة الآيات التي فيها قصص الأمم السابقة، حتى نستخلص مصير هذا المجتمع البشري، حيث التقت كل الأمم الأولى، بكل ما فيها من شر وصدام وآثام..
ولا يبقى سوى أمر واحد: ﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣]